التعصب
خواطر ومخاطر
أ.د. بدر محمد ملك
كلية التربية الأساسية-الكويت
موقع الانترنت http://www.badermalek.com
البريد الالكتروني bmalek227@gmail.com
حساب التويتر @4bader111
المحتويات
Table of Contents
جانب من تجربة ذاتية 1
ثقافة التعصب.. 2
التعصب في نظر المتخصصين. 3
رؤية تراثية للتعصب.. 6
مخاطر تحوطنا جميعا 7
التربية ثم التربية 7
جانب من تجربة ذاتية
قبل أسبوعين أو أقل بعث أحد الأساتذة برسالة للمقربين له ولكن -وبطريق الخطأ- ذهبت الرسالة عبر “الواتس أب” إلى زملائه في العمل حيث يعمل في كلية تربوية! من ضمن الرسالة عبارة منقولة – يبدو أن الأستاذ لم ينتبه لها – تصف أهل مذهب من المذاهب الإسلامية بأنهم “أنجاس”! ووصلت الرسالة لزملائه في العمل ومنهم من ينتمي لذلك المذهب! ليس الاحراج في الخروج من المأزق فحسب بل انتشار تلك الرسائل الالكترونية الجارحة بين العامة والخاصة. إن تعايش المثقفين خطوة تمهيدية لتعايش العامة ولا شك أن تجديد الخلافات القديمة داء عضال ونحن في وضع لا نحسد عليه عربيا وعالميا.
من الغريب أن يدرس شخص مغتربا في أرقى دول العالم حضاريا ثم يعود لبلده ويتكلم بصفته الأكاديمية عن الوطنية وعن التسامح والتعايش علانية ثم عمليا يخالف ما يصرح به وقد يظهر على حقيقته بين أقربائه والمقربين منه فيكيل الشتائم للمخالفين له. هذا التناقض بين ما نتصوره ونكنه في صدورنا وبين ما نكتبه ويصدر عنا علانية أمام الناس يدل على أزمة قيمية تجتاح واقعنا وتهدد مستقبلنا وتفتت وحدتنا وتضع المثقف في مأزق مزعج محرج.
في بداية عهدى في التدريس الجامعي كنت أعتقد أن المثقفين من الأساتذة والاعلاميين والعاملين في الحقل الديني يشكلون بمشتركاتهم الفكرية صفوة تسعى حقيقة إلى تجفيف منابع التعصب. وهذا التصور لم يدم طويلا حيث أيقنت عمليا أن الكثير من أولئك لا يشعر بوجود الخطر أساسا أو أنه ذهب يتعلم في الغرب أو في الشرق للحصول على شهادة علمية لا لتغيير واقعه بل لتحسين مكانته الاجتماعية والاقتصادية. ذهبوا لنصرة مذهبهم أو تيارهم أو جماعتهم أو مصالحهم الشخصية فقط. هؤلاء لا يحفلون بسقوط أو تدني القيم، وانشطار الأخلاق في المجتمع ومعظم همهم هو مصالحهم أو تسويق أفكار الجماعة التي ينتمون لها. تتصارع التيارات لا لمصلحة بلدانهم إنما لتوسيع نفوذ حركتهم. تحاورتُ مع عدد من أولئك ممن يخلط بين الأوضاع السياسية والمعتقدات الدينية فإذا البعض يستغل الواقع السياسي المعقد لتسفيه المعتقدات المخالفة له ولتصفية الحسابات مع المذاهب والتيارات.
منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي بدأت تتوثق علاقتي بالحقل التعليمي بصفتي أعمل في قطاع التدريس وشاهدت ولا زلت رياح التعصب تعصف بمجتمعاتنا العربية. من المؤسف أن نجد المؤسسات التعليمية تشهد صراعات أساسها تعصب ديني أو قبلي أو طبقي أو حتى رياضي …لبسط النفوذ وتهميش المخالفين.
ثقافة التعصب
إن من صنيع المتعصبين رد الأدلة ورفض الحقائق واتباع التقليد وتعميم الأحكام وهذا الداء موجود عند فئة من النخب المثقفة من صحفيين وباحثين وأساتذة ودعاة ورياضيين وفنانين … ويطبعون خطابهم وانتاجهم بطابع ثقافي متشدد مشحون بالغضب. يستخدم أولئك قنوات التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت بدهاء لتوسيع نفوذهم، وتشويه سمعة مخالفيهم، وزيادة متابعيهم ، وتحقير مبدأ التعددية الفكرية.
تعصب المثقفين أشد تأثيرا وخطورة من انحراف العامة لأن المثقفين يشكلون الثقافة العامة إذ لديهم منابر وأقلام ونفوذ وأنصار و”يستحوذون على واجهات حكومية ومدنية”. التعصب القائم على اعوجاج الفكر موجود بدرجات متفاوتة عند أتباع جميع الأديان والأحزاب والمذاهب والجنسيات … المتخصصون في علمي النفس والاجتماع يؤكدون على أن التعصب المذموم له آثاره المدمرة نفسيا واجتماعيا ومكن الخطورة فيه عدم شعور المتعصب بدائه وهو أمر منتشر عند كثير من المشتغلين بالعلوم والثقافة والآداب والفنون. التعصب جهل ناتج من التقليد وانغلاق العقل وانسداد قنوات الحوار وهو أساس العناد والعداوة ومجافاة العدالة وتشتيت الصفوف. من صور التعصب الانقياد لرأي نسبي وتسفيه رأي المخالف وترويج الأفكار النمطية المتحيزة ضد فئة معينة أو سلوك معين.
ولئن كانت المسابقات الرياضية تشد اهتمام العالم نحوها في مباريات كأس العالم و…إلا أن الرياضة قد تنحرف عن مسارها عندما يصبح التعصب لاعبا أساسيا في ساحاتها ومنظماتها. وفي هذا المعني يشير المفكر نعوم تشومسكي إلى أن “المسابقات الرياضية تلعب دوراً اجتماعياً في توليد مواقف وطنية وشوفينية متعصبة.” إن التعصب يفسد الرياضة والفن والتدين والعلم ولكن الحكمة تقتضي أن لا نعادي هذه المجالات بل نحارب التعصب لأنه يمنع من تدفق المنافع ، وامتاع الجماهير.
لقد خلق المولى سبحانه الحياة على أساس موزون يسع الناس باختلاف مذاهبهم، وتشعب أعراقهم، وتنوع أديانهم، وتباين ثقافاتهم ولكن التعصب يدفع إلى اهتزاز الموازين وانقلابها وطغيانها. إن الغاء الآخر المخالف لنا هو النزيف الذي أصاب الشعوب والحكومات العربية … فإما أن تتفق معي وتتنازل أو نتقاتل! التعصب هو رفض قبول الرأي الآخر وفرض وصاية عليه وسلب مبدأ مشروعية احترام رأي الآخر في التعبير عن ذاته والعيش موفور الكرامة.
التعصب في نظر المتخصصين
عرّفت الموسوعة العربية التعصب كما يلي “التَّعصب تشكيل رأي ما دون أخذ وقت كاف أو عناية للحكم عليه بإنصاف. وقد يكون هذا الرأي إيجابيًا أو سلبيًا، ويتمُّ اعتناقه دون اعتبار للدَّلائل المتاحة. والتعصب هنا هو الرأي السَّلبي المعْتَنَق بهذه الطريقة تجاه أفراد ينتمون إلى مجموعة اجتماعية معينة. وينحو الأفراد المتعصِّبون إلى تحريف وتشويه وإساءة تفسير، بل وتجاهل الوقائع التي تتعارض مع آرائهم المحددة سلفًا. فقد يعتقد الشخص المتعصِّب مثلاً بأن جميع الأفراد المنتمين إلى سن معينة أو أصل قومي أو عرق أو دين أو جنس أو منطقة في بلد ما، كسالى، أو عنيفون أو أغبياء أو غير مستقرين عاطفيًا أو جشعون. وبسبب التَّعصب، حُرم ملايين النَّاس من تكافؤ الفرص في العمل والسَّكن والتَّعليم والمشاركة في الحكم” (بتصرف يسير).
تشير الموسوعة البريطانية[1] إلى أن التعصب هو تحيز ضد شخص أو مجموعة دون سند منطقي وهو اتجاه بعيد عن الموضوعية ويُصنف ضمن الاتجاهات غير العقلانية التي تنتج من معتقدات نمطية (stereotyped beliefs) . وفي العلوم الاجتماعية التعصب قد يكون ضد شخص أو أكثر أو ضد سلوك معين.
ويصف الدكتور حامد عبد السلام زهران في كتابه التوجيه والإرشاد النفسي أن التعصب “يعمي ويصم فلا يسمع الفرد إلا ما يريد أن يسمع ولا يرى إلا ما يريد أن يرى”. ويرى أن المرشد لا يستطيع أداء دوره إلا عندما يحقق “النضج الاجتماعي والفلسفة السليمة في الحياة والتحرر من التعصب الاجتماعي والديني والسياسي”. وكما قال أحدهم “يبدو أن التعصب في نظر المتعصبين هو عدم التعصب؛ لأنه يتهمك بالتعصب إذا لم تتعصب معه!.”. وصدق الشاعر في قوله:
وتعرَّ مِن ثوبَين مَنْ يلبسْهُمَا … يلقَ الرَّدَى بمذَمَّةٍ وهَوَان
ثوبٍ مِنَ الجَهْلِ المرَكَّبِ فَوْقَهُ … ثَوْبُ التَّعَصُّبِ بِئْسَتِ الثَّوْبَانِ
وَتَحَلَّ بالإِنْصَافِ أَفْخَرَ حُلَّةٍ … زِيْنَتْ بِهَا الأعْطَافُ والكَتِفَانِ
وقال الشاعر:
Impotent males search for erectile dysfunction drugs at various places. http://deeprootsmag.org/2014/03/03/great-desire-souls-good-beautiful/ viagra samples
أمَّا التَّعَصُّبُ فَهْوَ دَاءُ تَظَلُّلٍ … مَا كَانَ بَينَ مُعَاشِرٍ في مَحْشَدِ
إلاَّ تَنَاكَرَتِ القُلُوبُ وَأدْبَرَتْ … وتَبَدَّلَتْ بَعْدَ البَيَاضِ بِأسْوَدِ
عبر التاريخ الإسلامي كلما زادت المدارس المذهبية المتشددة لمذهبها ضعفت الأمة وتشتت جهودها وتأخرت مسيرتها. ومن النظرات الموفقة للسيد سابق في مقدمة كتابه فقه السنة قوله ” وكان مما ساعد على انتشار هذه الروح الرجعية ، ما قام به الحكام والأغنياء من إنشاء المدارس ، وقصر التدريس فيها على مذهب أو مذاهب معينة”.
التعصب أكبر عدو للاجتماع الإنساني فهو يقلل من قدر الأقليات ويسفه من شأن الثقافات ويحرم الفنون الجميلة وينفر الناس عنها. إن ما تقدمه التربية الموسيقية من ابداعات يتم نسفها بكلمة واحدة باسم الدين انتصارا لرأي فقهي يلغي غيره من الاجتهادات. كثير من التوجهات الدينية والليبرالية تتشدق بالتسامح في زمن ضعفها وسرعان ما تبطش بمخالفيها بمخالب الانتقام بمجرد التمكن والسيطرة على مقاليد الأمور. التعصب بكافة صوره يهدد تربيتنا ويؤجج الفتن وبمجرد أن تغييب سلطة القوانين حتى تتم تصفية الحسابات بأسلوب بشع يغلي من القسوة والحقد وقد يؤدي التعصب في نهايته إلى سلوك دموي متوحش يتجرد فيه الإنسان من بقايا انسانيته!
التسامح والتعايش والتكافل الاجتماعي قيم نحتاج إلى أن نعيشها ونتفنن في ممارستها في محيط الأسرة بين الزوجين أولا وفي محيط المدرسة بين المعلمين والقياديين أولا وفي محيط المسجد بين الأئمة والخطباء أولا، وفي محيط الاعلام والجامعة لتنتشر وتزدهر في أوساط المجتمع …
إن القضاء على العصبية القبلية والمذهبية والطبقية مسئولية الجميع لا سيما أهل التربية والتعليم. دور مؤسسات التربية اليوم هو تسليط الضوء على القيم الإنسانية المشتركة بين الأمم والشعوب لتخطي عقبات العصبية. ومن هنا لا بد من تطعيم مناهجنا وأنشطتنا الدراسية بفيض من نور التسامح وتشجيع النقد الذاتي القائم على الموضوعية لنكتشف مرض التعصب ونصلح أوضاعنا بحكمة.
ومن آليات علاج التعصب تدريب الطلبة على التفكير العلمي ونبذ النصرة للآباء لمجرد وراثة الأفكار دون تمحيص. إن الشباب أكبر شريحة تستقبل التعصب وفي نفس اللحظة أفضل شريحة لنشر الفكر المستنير القادر على المزاوجة بين الجديد والقديم والحفاظ على الهوية والانطلاق نحو التقدم العلمي والتعايش السلمي.
تطرق الأستاذ الدكتور علي وطفة إلى دور التربية الإسلامية في تربية الناشئة فأشار إلى أنه ” يجب اليوم على التربية الإسلامية أن تواجه تحديات العولمة الثقافية وأن تعمل على دحر التعصب بكل إشكاله وتنوعاته الطائفية والعشائرية ، كما يجب أن تواجه مسألة الحداثة وأن تتخذ موقفا عصريا يمكن الإنسان المسلم من مواجهة هذا التحدي الذي يشكل أخطر تحديات الوجود للأمة. وذلك هو الحال مع العنف والإرهاب والتسلط والموقف من التراث وحسم مسألة الحداثة والمعاصرة وفق نظرية إسلامية نقدية منفتحة جديدة يمكنها احتواء هذه التحديات والمشكلات المعاصرة بمنطق نقدي منفتح متمرس في عملية التكيف والاحتواء بما من شأنه أن يؤصل قيم الإسلام وعطاياه الخلاقة” ( باختصار).
وقدمت الموسوعة العربية عدة أوجه تربوية من الحلول لمواجهة التعصب فذكرت الآتي “وقد ينتقل التعصب من جيل إلى جيل . إذ يتعلم الكثير من الأبناء التعصب من آبائهم وأساتذتهم. وتُبقي المؤسسات والقوانين والعادات التي تنطوي على تمييز إزاء مجموعات معينة من الناس، على التعصب . بيد أنه لا يتقبل جميع النَّاس مشاعر التعصب التي تكنُّها مجتمعاتهم. وقد يساعد التعلم وبعض أنماط الاتصال بين المجموعات وتغيير المؤسسات في التقليل من حدة التعصب. إذ يساعد التَّعليم على تصحيح التعميمات الخاطئة التي تشكل أساس التعصب . ويرجح أن يؤدي الاتصال بين المجموعات إلى التقليل من حدة التعصب إلى حد كبير عندما تعمل المجموعات معًا لنصرة قضية مشتركة. هذا بالإضافة إلى أن إحداث تغييرات في المؤسسات والقوانين والعادات، للتَّخفيف من حدة التمييز، قد يؤدي إلى إزالة شيء من التَّعصب” (باختصار).
رؤية تراثية للتعصب
ولقد أدرك المربون قديما من مثل الغزالي خطورة التعصب فأشار في كتابه ميزان العمل إلى هذا الداء الخطير والشر المستطير فقال ” فمن ولد في بلد المعتزلة أو الأشعرية أو الحنفية، انغرس في نفسه منذ صباه التعصب له والذبّ دونه والذم لما سواه. فيقال: هو أشعري المذهب أو معتزلي أو حنفي، ومعناه أنه يتعصب، أي ينصر عصابة المتظاهرين بالموالاة، ويجري ذلك مجرى تناصر القبيلة بعضهم لبعض. ومبدأ هذا التعصب حرص جماعة على طلب الرياسة باستتباع العوام، ولا تنبعث دواعي العوام إلا بجامع يحمل على التظاهر. فجعلت المذاهب في تفصيل الأديان جامعاً، فانقسمت الناس فرقاً وتحركت غوائل الحسد والمنافسة، فاشتد تعصّبهم واستحكم به تناصرهم” (باختصار). هذه العبارة تدل على تشابك الجانب النفسي بالاجتماعي في مسألة التعصب ولعل التعصب الديني من أسوأ أنواع التعصب لأنه يتدثر برداء الدين ويمجد التقليد من جهة، ويجفف ينابيع الاجتهاد والتفكير من جهة أخرى. الفقرة السابقة تدل بوضوح على أهمية التنشئة الاجتماعية لا سيما في مرحلة الصغر. لا ريب أن نظرات أبي حامد الغزالي ثاقبة وعميقة الغور تربويا. ومن سبل علاج التعصب المذموم يقول الغزالي “وأطلب الحق بطريق النظر“. ومن وصايا السابقين في هذا المسار “اُنْظُرْ بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ وَاتْرُكْ التَّعَصُّبَ وَالِاعْتِسَافَ”.
ولقد أشار الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر فقال “وَمِنْهَا: التَّعَصُّبُ لِلْمَذَاهِبِ وَالْأَهْوَاءِ، وَالْحِقْدُ عَلَى الْخُصُومِ، وَالنَّظَرُ إلَيْهِمْ بِعَيْنِ الِازْدِرَاءِ وَالِاحْتِقَارِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُهْلِكُ الْعِبَادَ وَالْعُلَمَاءَ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالطَّعْنِ فِي النَّاسِ وَذِكْرِ نَقَائِصِهِمْ مِمَّا جُبِلَ عَلَيْهِمْ الطَّبْعُ“.
انتبه الشوكاني في كتابه أدب الطلب ومنتهى الأدب إلى ضرورة اعداد طالب العلم الحر الباحث عن الحق فقال “فَإِن وطنت نَفسك أَيهَا الطَّالِب على الْإِنْصَاف وَعدم التعصب لمذْهَب من الْمذَاهب وَلَا لعالم من الْعلمَاء بل جعلت النَّاس جَمِيعًا بِمَنْزِلَة وَاحِدَة … فقد فزت بأعظم فَوَائِد الْعلم وربحت بأنفس فرائده” (باختصار). وحذر الشوكاني من العواقب الوخيمة للتعصب فقال “وَاعْلَم أَنه كَمَا يتسبب عَن التعصب محق بركَة الْعلم وَذَهَاب رونقه وَزَوَال مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الثَّوَاب كَذَلِك يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الْفِتَن المفضية إِلَى سفك الدِّمَاء وهتك الْحرم وتمزيق الْأَعْرَاض”.
مخاطر تحوطنا جميعا
إن التعصب للعرق أو للإيديولوجية أو للمذهب مجرد مسميات لمصيبة واحدة تدل على جمود العقل وانقطاع ثمرة الحوار وعقم البحث. المثقف هو الذي يضيف لجماعته وقبيلته ومذهبه فكرا سديدا ويبدأ عملية النقد الذاتي … والمثقف هو الذي ينشر في محيطه معاني الوعي بالآخر واحترام خصوصيات الأقليات واعمال الذهن والروية في اتخاذ الأحكام والتخلص من الأفكار السابقة التي لا تؤيدها الحقائق التعصب المذموم وما أدراك ما التعصب المذموم؟ من أبشع صور التردي في أوطاننا اليوم فتنة التكفير ثم التفجير في الأماكن الآمنة بل وحتى في بيوت الله وصلت مأساة التعصب والتطرف … ينادي المنادي بالتكبير فرحا بنجاح عملية التفجير! يتم نحر الانسان بصورة بربرية باسم الدين! كل ذلك من دلائل شيوع الانحرافات السلوكية وفساد التوجهات وفشل مؤسسات التربية في أداء دورها في تنوير العقول وتحريرها من داء التعصب.
التربية ثم التربية
ولعل الدراسات الصريحة الرصينة خير أرضية لفهم مدى تغلغل العصبية المذمومة في حس المثقف العربي ومخيال عامة الناس على حد سواء. علاوة على ذلك فإن تفعيل دور المثقف في نشر وممارسة قيم التعايش ضرورة لا سيما أن بعض المثقفين أصبح إمعه يسير في ركاب حزبه أو قبيلته أو مذهبه دون أن يمارس دوره في التطوير والاستنارة دعما لمنظومة القيم والحقوق المدنية.
إن الاطلاع على حركة الحرية الفكرية في مسيرتها التاريخية في الأمم والحضارات الإنسانية وسيلة تربوية جديدة لفهم تقدم الشعوب وصلابة وحدتها. إن الاطلاع على الأدب الإنساني الرفيع وبثه في مسارحنا واعلامنا يخفف من التعصب المذموم ويشحذ الأذهان لترسيخ معاني العدالة والاحسان والتسامح والتعايش.
وعلى الصعيد القانوني والسياسي فإن الدساتير العربية تحتوي على قدر كبير من القيم الإنسانية والحقوق المدنية ودور المؤسسات المدنية الحفاظ عليها، وتوسيع نطاقها والعمل على تطبيقها.
منذ ثلاث سنوات بدأت حكومة الكويت في مشروع التنمية وطبقت وزارة التربية هذا المشروع الطموح وهو مشروع تعزيز وتأصيل القيم التربوية المستمدة من الشريعة الإسلامية. هذا المشروع جيد لمقارعة التعصب والعصبية والتشدد والخطوة المهمة هي تدريب المعلمين على طرائق غرس القيم والانفتاح على التجارب العالمية لتحقيق هذا المقصد مع ضرورة مساندة مؤسسات المجتمع المدني لتحقيق أهداف مثل هذه المشاريع .
ولعل مراجعة المناهج الدراسية وفحصها فحصا دقيقا وتعزيز مساحات التعددية الفكرية وقيم التسامح وثقافة الحوار واحترام الرأي الآخر من أولويات التنمية الفعلية. إن تهميش طائفة أو مذهب أو جنس في الكتب المدرسية تؤصل التعصب وتشيع ثقافتها إلى أبعد الحدود.
وفي هذا السياق فإن الأسرة أقوى مؤسسة لوقف تصدير التعصب الطائفي والقبلي و… في محيط الأسرة علينا أن نتحدث عن المخالفين لنا بأسلوب عقلاني يؤمن بالتعايش وحقوق الإنسان ويرفض أحادية الفكر وصدامية الحوار … الأسرة العربية بوعي أو من غير وعي قد تكون متورطة في ضخ حمم العصبية المقيتة في نفوس الناشئة . ولو تلمسنا عيوبنا بصدق لأبصرنا صورا عديدة من صور العصبية نشحن بها نفوس الناشئة بحسن نية أحيانا… عصبية قد تقتحم مدارسنا ومساجدنا وسائر مؤسساتنا … فعلينا التحرك بوعي لصد تيارات التعصب دون تساهل أو تردد.
29-9-2013م
[1] prejudice. (2012). Encyclopædia Britannica. Encyclopædia Britannica Ultimate Reference Suite. Chicago: Encyclopædia Britannica.