الآراء التربوية عند عبدالله النوري
أ. د. بدر محمـد ملك
أ. د. لطيفة حسين الكندري
قسم الأصول والإدارة التربوية
كلية التربية الأساسية
الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب
دولة الكويت
1430هـ – 2009م
بحث ممول من الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب تحت رقم (BE-09-10)
ملخص مشروع البحث
تهدف الدراسة الراهنة إلى تسليط الضوء على الآراء التربوية عند الشيخ عبدالله النوري (1323- 1401هـ = 1905- 1981م) وفحص جهوده في حركة النهضة الفكرية محليا وعربيا وصولا إلى تحديد أهم الأفكار التربوية التي آمن بها وعمل من أجلها. وعليه فإن هذه الدراسة تسعى إلى رصد ومناقشة أهم القضايا التربوية التي تناولها الشيخ النوري وشغلت فكره، واستحوذت على اهتماماته وذلك من أجل الاستفادة من إرثه الثقافي في تنمية المجتمع الكويتي.
تعتمد هذه الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي الذي يقوم على تحليل كتابات النوري ومسيرته العلمية والعملية وبيان مدى أهميتها في إثراء الحقل التربوي المعاصر.
Abstract
Educational Views of Abdullah Al-Noori
The current study aims to shed light on the educational views of Sheikh Abdullah Al-Noori (1323 – 1401 A.H = 1905 – 1981 A.D) and to examine his intellectual heritage in the Arab world and locally in order to identify the most important educational ideas. Furthermore, this study seeks to monitor and discuss the most significant educational issues addressed by Sheikh Alnoori to enrich the cultural heritage field of education today.
المقدمة
التربية السليمة عملية تراكمية باعتبارها تقتنص الفوائد والعبر ليستثمرها العاملون في الحقل التربوي، وبمرور الزمن يعلو الصرح ويكتمل الإصلاح.
عبدالله النوري معلم فقيه مقتدر كتب كتابا نفيسا بعنوان “خالدون في تاريخ الكويت” واليوم من أهم نصائح الخبراء الاطلاع على حياة العظماء وهذا يعد من مبادئ النجاح حيث “لا يمكنك أن تضع يدك في إناء صمغ دون أن يلتصق بعضه بيدك. كذلك لا يمكنك أن تضع عقلك وقلبك في بعض أعمال هؤلاء الأساتذة دون أن يعلق بعضها بعقلك. فإذا قرأت عن الشخصيات الخالدة فإن احتمالات أن يترك هذا تأثيرا خالدا في نفسك تزداد” (كانفيلد، 2008م، ص 256).
يعتبر التراث الذي تركه عبدالله النوري من التراث الوطني القيم ليس لدولة الكويت فحسب بل لمنطقة الخليج والجزيرة العربية (المنصور، 1985م، ج2، ص 5). النوري مرب وعالم وأحد مفاخر الكويت في العصر الحديث وهو كما يقول محمود الأرناؤوط من أعلام التراث في العصر الحديث (2002م، ص 153). يسعى هذا البحث إلى دراسة الآراء التربوية للشيخ عبدالله النوري وتتبع دعائمها الفكرية وأبعادها التربوية في عالم الأمس واليوم أملا في توجيه مسيرة المستقبل على أكمل وجه. ومن أجل ذلك فإن البحث الراهن سيتناول هذه الشخصية عبر ترجمة حياته وفحص ما يتيسر من جهوده وتتبع وشرح وتدعيم أفكاره ومواقفه. ومن أجل تجلية قيمة ما سبق سيقوم الباحثان بربطها بطائفة من الأدبيات التربوية التراثية والحديثة كي تتضح المسائل، وتظهر الفضائل والتحديات. إن ربط الأدبيات تبرز مواطن الإفادة وقد تكشف عوامل التقارب والتمايز وهذا المنهج هو الأليق بمثل هذه الدراسات التي تمد عالم التربية بسيرة المبدعين ومواطن التحديات وسبل تطوير التدريس وتنمية العقل .
يقول عمر عبيد حسنه “ولعل من أخص خصائص التفكير الاستراتيجي: استشراف الماضي، والتوغل في العمق التاريخي، واستيعاب التجارب ، وجوانب القوة والنهوض، وبناء الخطة المستقبلية بحيث تكون واضحة الأهداف، ودراسة الاحتمالات والتداعيات الممكنة، لأخذها بالاعتبار والاستعداد لها، وعدم خلط الأهداف بالوسائل، وتجنب عثرات دعوات الإصلاح والتجديد والتغيير، والتخلص من حالة الانطفاء الثقافي، الذي يبعثر القدرة، ويعطل الإرادة” (حميداتو، 2003م، باختصار).
يقول سعيد إسماعيل علي (2009م) في بحثه التجديد والإصلاح في الفكر التربوي الإسلامي “على الرغم من أن الفكر بطبيعته هو جملة الأسس النظرية والمسارات الرئيسية لحركة الواقع في مجتمع معين أو في قطاع بعينه ، فهو – على يد نخبة من المفكرين – يتحول من هذا الجانب الذي يوحى بمجرد الانفعال النظري بحركة الواقع، إلى نقده، بالإضافة إلى طرح تصورات مستقبلية لما يجب أن يكون عليه حال هذا الواقع” (ص 1). يوجه الفكر التربوي العملية التربوية نحو بناء الإنسان بناء شاملا يؤهله للمساهمة الإيمانية الجادة في اكتشاف العلم والمعرفة والتفاعل مع معطيات العصر العلمية والتقنية (الجعفري، 2010م، ص 359). وعلى هدي ما سبق فإن التربية الرشيدة تزدهر من خلال جمع تجارب الأجيال المتتالية وتوظيفها بذكاء مع معطيات العصر (ماهروزاده، 2001م، ص 50)، وهو المحرك الأساس لمثل هذه الأبحاث في رصد حركة المجتمع.
أهمية الدراسة الحالية
إن دراسة الشخصيات الوطنية المؤثرة في مسيرة التنمية والإصلاح، تمنحنا الحس النقدي، وتمكننا من تحديد أسباب القصور ومواطن التقصير، وإعادة تقويم الواقع بقيم أكثر موضوعية وضبطا، كما تمنحنا الحس بالتناقض بين الواقع القائم والمثال الغائب، كما تحقق لنا الاطلاع على التجارب السابقة التي خضعت للاختبار التاريخي، فنضيف عقولاً إلى عقلنا، وتجارب إلى تجاربنا، وتبصرنا بمدى سلامة وسائلنا وجدواها، وتحقق لنا العبرة والعظة، وتمنحنا الوقاية. ولا تعني مثل هذه الدراسات، حصر الفكر في إطار الزمان والمكان والمشكلات التي كانت مطروحة في ذلك الزمان، وإنما تعني التعرف على المنهج وطريقة التعامل وردود الأفعال، واكتناز الخبرات التي صقلها التاريخ. ولابد أن ندرك أن الأفكار التربوية الصالحة لعصر ماض، لا يعني بالضرورة صلاحها لكل عصر (انظر حميداتو، 2003م، مقدمة الكتاب).
وبما أن عبدالله النوري فقيه وواعظ وتربوي وشاعر (العلي وآخرون، 1998 م، ص 211، العلي، 2002م، ص 181) عاصر عمليات بناء التربية الحديثة ومؤسساتها الجديدة في الكويت فمن حقه استجلاء ما تناثر من فكره في بطون الكتب وما أثر عنه في سيرته ومسيرته فهو امتداد لشجرة المربين في الكويت ومنطقة الخليج العربي التي تعج بالطاقات الخيِّرة التي من شأنها أن تضيء درب المربين، وتنير نهجهم، وتسهم في تشكيل ملامح هويتهم.
تتمحور أهمية البحث الراهن في النقاط التالية:
-
التاريخ هو المعمل الحقيقي للمشتغل بدراسة المجتمع (الجوهري، 2007م، ص 7). إن مجال تاريخ التربية من المجالات البحثية المهمة في أصول التربية فالتاريخ يساعد الباحث على الإلمام الواسع بواقع حركة تطور الفكر ومؤسسات التربية (المهدي، 2007م، ص 167 171) وتقوم بتوفير مقاربات أعمق للنسيج المجتمعي محليا أولا وعالميا ثانيا.
-
الجهل بالأفكار الوطنية من الخطورة بمكان كما أن التنمية الحقيقية والتربية النافعة “لا تُشترى من الخارج بل تُصنع في المكان نفسه” (العبدة، 2006م، ص 160).
-
إن الأفكار التربوية التي تناولها عبدالله النوري متفرقة غير مجموعة في عمل واحد فهي مبثوثة في بطون الكتب والمقالات والبرامج الإعلامية المتنوعة. من خلال هذه الدراسة يمكن تسهيل الوصول إلى أبرز الآراء والأفكار التربوية مع تحليلها على ضوء الدراسات التربوية المتخصصة ومناقشتها وبيان أهميتها وتوضيح مضامينها.
-
حاجة المكتبة الكويتية إلى مثل تلك الدراسات التربوية الموسعة عن الشخصية المذكورة وغيرها فليس بكاف أن تُدون حياة هؤلاء الأعلام من زاوية تاريخية فقط.
-
ضياع الكثير من تراث الشيخ عبدالله النوري إذ أن تلفزيون الكويت لا يمتلك إلا النزر اليسير من ذلك بسبب تدمير الغزو العراقي لأرشيف وزارة الإعلام. كانت الوزارة تمتلك المئات من الحلقات التلفزيونية والإذاعية للشيخ. بعض كتب الشيخ ليست في متناول اليد ولا تباع في المكتبات وكل ما يمكن أن نجده اليوم بضعة كتب طبعتها مكتبة ذات السلاسل وتطبعها ووزارة الأوقاف.
أسئلة الدراسة
-
ما المؤثرات الثقافية التي أثرت في تكوين فكر وشخصية الشيخ عبدالله النوري؟
-
ما أخلاقيات المعلم عند عبدالله النوري؟
-
ما أبرز القضايا التربوية التي تناولها عبدالله النوري؟
-
ما أهم الوسائل التربوية التي استعان بها عبدالله النوري ؟
-
كيف يمكن الاستفادة من إرث عبدالله النوري التربوي في التواصل مع قضايا العصر بما يخدم المجتمع الكويتي؟
أهداف الدراسة
تهدف الدراسة الراهنة إلى تسليط الضوء على الآراء التربوية لعبدالله النوري والكشف عن جهوده في حركة النهضة الفكرية. كما تهدف هذه الدراسة إلى التعرف على أهم القضايا التربوية التي شغلت فكر النوري مع بيان لكيفية الاستفادة من إرثه الثقافي في تنمية مسيرة المجتمع الكويتي فكرا وعملا.
حدود الدراسة
تركز الدراسة على مجالين؛ أولا : تحليل حياة الشيخ عبدالله النوري ومواقفه من زاوية تربوية. وثانيا: دراسة أبرز مؤلفات النوري المتاحة لإبراز القضايا التربوية ذات الصلة بأسئلة البحث.
سوف يقوم الباحثان بالإفادة من مصنفات النوري ومنها الكتب التالية: قصة التعليم في الكويت ، الرشد، شهر في الحجاز ، المنبر، ديوان من الكويت ، الأمثال الدارجة في الكويت، حكايات من الكويت.
منهج وأداة البحث
هذه الدراسة هي دراسة تحليلية وصفية تقوم على بيان وتحليل جهود عبدالله النوري من أجل بيان إسهاماته في حقل التربية ولفهم حركة تأسيس التعليم في الكويت ومنطلقاتها وإبداعاتها ومعوقاتها عن طريق شخصية تُعد من ضمن سلسلة من السلاسل الذهبية المترابطة المتصلة فيما بينها في التعليم في منطقة الخليج العربي. ولهذا ستركز الدراسة على تتبع أهم القضايا التربوية التي تناولها النوري في مؤلفاته وأعماله مع مناقشة سبل الإفادة من سعيه الثقافي وبذله في تنمية الحس الديني والوعي الجماهيري بطرائق تطبيقية.
وقد اعتمد الباحثان في استخراج الآراء التربوية على مصادر ومراجع رئيسة، تتلخص في ثلاثة مجالات وهي:
-
ما كتب عن الشيخ عبدالله النوري ومواقفه؛ كتب التراجم.
-
مجموعة من مؤلفات الشيخ.
-
المقابلات التلفزيونية والصحفية مع أو عن الشيخ.
ومن أجل ضبط مسار البحث وفق منهجية واضحة، وتنظيم عرض المادة العلمية بقسمات متسلسلة يقوم البحث في خطته الراهنة بالتقيد بأسئلة البحث الموضحة سابقا ولهذا ستتفرع مباحث الدراسة على خمسة مباحث أساسية لتحقيق الغرض المنشود وهي كما يلي:
المبحث الأول: المؤثرات الثقافية في حياة عبدالله النوري
المبحث الثاني: أخلاقيات المعلم
المبحث الثالث: أبرز القضايا التربوية
المبحث الرابع: بيان أهم الوسائل التربوية
المبحث الخامس: الإفادة المعاصرة
سيقوم الباحثان باستخدام كلمة النوري في كل المواضع في هذا البحث حيث أن بعض كتب الشيخ طبعت تحت اسم عبدالله آل نوري وبعضها الآخر تحت اسم عبدالله النوري ولكن الأغلب النوري، وهو الدارج اليوم فاستقر البحث على توحيد الاسم منعا للالتباس وهو اللقب المشهور اليوم لهذه الأسرة الكريمة.
الدراسات السابقة
هناك العديد من الدراسات السابقة التي تناولت جهود عبدالله النوري وهي دراسات في غالبها قصيرة تميل إلى تقديم نبذه تعريفية عن الشيخ. وفيما يلي استعراض لبعض تلك الدراسات:
في دراسة للنوري وآخرون (2008م) تحت عنوان الشيخ عبدالله النوري حياته ومؤلفاته جمع الباحثون شهادات المعاصرين للنوري ورسموا معالم شخصيته والميادين التي أبدع فيها بشكل وثائقي. تنقسم الدراسة إلى قسمين؛ اهتم القسم الأول بشخصية الشيخ عبدالله النوري وحياته وسيرته الذاتية. ويضم القسم الثاني نبذة موجزة عن كل كتاب ألفه النوري. والكتاب جهد تجميعي موسع احتوى على شهادات المعاصرين للمترجم له من أمثال الأستاذ عبدالعزيز حسين المستشار بالديوان الأميري والأديب عبدالرزاق البصير ويوسف الحجي وزير الأوقاف الأسبق. أوضحت الدراسة مسيرة النوري العلمية وأكدت على منهج النوري في “الإفتاء وهو منهج يميل نحو التيسير مادام في كتاب الله وسنة رسوله” (ص76).
وفي دراسة لعبدالله العقيل (2001م) تحت عنوان من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة خصص الباحث قسما للحديث عن شخصية النوري تحت عنوان المعلم الداعية الشيخ عبدالله النوري. بدأت الدراسة بالحديث عن مولده ونشأته ثم شيوخه ثم وظائفه ورحلاته ومؤلفاته وصفاته ومواقفه. أكد الباحث على أن النوري ترك فعلا تراثا ضخما من المؤلفات في مختلف الميادين فكتب عن الإصلاح الاجتماعي والتاريخ الشعبي والأسفار والأشعار والسير والتراجم والمواعظ والفتاوى والخطب كما امتدح الباحث كرم النوري وخطبه التي تتسم بالعرض الجيد والأسلوب الحكيم والدليل الناصح المقنع والاختصار غير المخل (ص478). ومن صفاته أيضا الوفاء للعلماء الصالحين فكان الشيخ النوري يكثر من الثناء على شيخه عبدالله خلف الدحيان ويعتبره النموذج الفذ للعلماء الصالحين والمصلحين الاجتماعيين. علاوة على ذلك كان النوري منظما غاية التنظيم وكان يسجل كل شيء وإن كان صغيرا وهو جاد في أداء المهمات التي توكل إليه. وقد أشار الباحث إلى نماذج من شعر النوري ووصفه بأنه شاعر مطبوع يجري الشعر على لسانه بمجرد انفعاله بأي حدث.
قام الرومي (1999م) بتقديم دراسة مستفيضة عن كثير من أعلام الفكر في الكويت وهي تحت عنوان علماء الكويت وأعلامها. أشارت الدراسة إلى جهود العلماء الذين كان لهم ميراث فكري وثراء نير في تاريخ الكويت. تطرقت الدراسة إلى جهود الشيخ عبدالله النوري التربوية والثقافية وانتاجه الفكري والشعري. وأوضح الباحث سماحة الشيخ حتى مع غير المسلمين (ص 587).
في كتابه الموسوعي بعنوان مربون من بلدي قام الباحث عبدالمحسن عبدالله الخرافي (1998م) بتقديم دراسة موجزة جدا عن حياة الشيخ عبدالله النوري وأشار فيها إلى التعريف بحياته الشخصية. ركز الباحث على وصف شخصية النوري فوضع عنوانا “همه هم الآخرة” وأنه حارب المفاسد والانحرافات المجتمعية وتنوعت كتاباته في وقت لم يكن سوق النشر سهلا ولا إجراءات الطباعة ميسرة كما هو الحال في يومنا هذا (ص225).
وفي نبذة تعريفية عن الشيخ عبدالله النوري قام فرحان عبدالله الفرحان (1988م) بإعدادها ، تناول الكاتب حياة الشيخ النوري باعتباره من الخالدين في تاريخ الكويت. سرد الكاتب السيرة الذاتية للنوري وتطرق إلى أهم المحطات التي سافر إليها وأهم الأعمال التي اشتغل بها. وذكر الفرحان بعض الكتب التي ألفها أو حققها النوري.
المبحث الأول: المؤثرات الثقافية في حياة عبدالله النوري
يتميز كل عالم بفكره وفلسفة حياته, والمسلمون الأوائل ومن سلك سبيلهم خلفوا تراثاً فكرياً وتربوياً يمثل ثقافة ضخمة تعكس جوانب متعددة من صور الماضي بما فيها من مساهمات وتحديات, يمكن أن تضيء لنا طريق الحاضر والمستقبل (الفوزان، 2007م) إذا استوعبنا دروسها، وتتبعنا دروبها. إن رحلة حياة الإنسان في عالم الأحياء تمر بمنعطفات جادة تشكل شخصيته، وتكوِّن منهجه، وتلقح تجاربه، وتحدد صلته بمجتمعه، وترسم ملامح مستقبله.
سيتناول هذا المبحث ثلاث مسائل على وجه الإجمال تتعلق بالمؤثرات الثقافية وانعكاساتها المتعددة والممتدة على مسيرة النوري وهي كما يلي:
-
نشأة عبدالله النوري
-
أساتذته
-
الاتجاهات الثقافية
نشأة عبدالله النوري
عاشت العراق في بدايات القرن الماضي في حالة اضطراب ثقافي حيث كانت المدارس البريطانية تنافس التعليم العربي والتعليم العثماني على أرض العراق (Bashkin, 2007, 41). تعرضت بلاد العراق في تلك الفترة إلى ضغوط غربية بسبب المطامع البريطانية وغيرها، في الوقت الذي أخذت فيه تيارات الثقافة التركية تلقي بظلالها على الواقع السياسي والثقافي (الموسوعة العربية، 2005م، ج13، ص 76). ولا شك أن سياسة المحتل من أكبر العلل باعتبارها سياسة قهر فالاحتلال في كل الأحوال استغلال وإذلال.
في ظل هذه التحديات الكبيرة التي هجمت على العالمين العربي والإسلامي وجد النوري نفسه وأخذ يشق طريقه. في البداية نهل النوري منذ نعومة أظفاره من ينابيع علم والده الذي كان عالما وقَبَس العلم والخلق عنه إذ كان حفيا بالعلم الديني ومتمكنا من الأدب العربي وإليه يرجع فضل تربيته وتكوينه العلمي.
ولد عبدالله النوري (1323- 1401هـ = 1905- 1981م) في بلدة الزبير من أعمال العراق ودرس علي يد أبيه ثم درس في مدارس الاحتلال البريطانية ثم في كلية المعلمين في بغداد عام 1922 م . هاجرت أسرت النوري من العراق واستقرت في الكويت واشتغل عبدالله النوري بالتدريس في المدارس الأهلية أولا والتجارة حينا وبالخطابة والإمامة والمحاماة وأصبح سكرتيرا في المحكمة وأخيرا كان عضوا ورئيسا للجنة الإفتاء في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1969-1981م) علاوة على مشاركاته المستمرة والبارزة في البرامج التلفزيونية بصفة دورية مما أكسبه تجربة حياتية واسعة صاغت شخصيته، وفتَّحت مداركه، ورفعت مكانته.
لقد درس النوري في صدر حياته في مدارس الأتراك وبعد أن احتلت بريطانيا العراق درس في مدارسها ولكنها على حد تعبيره كانت دارسة سطحية والمواد في مدارس الاحتلال جوفاء فالمدارس التي فتحها البريطانيون في العراق كانت كحقن مورفين لتخدير الأعصاب لإسكات الناس لا أكثر كما يقول النوري. لهذا بدأ يطلب العلم ويتعلم في الكويت فأصبح معلما ومتعلما في آن واحد (المليجي، 1974م، ص 161).
كان النوري يعتبر العلوم الشرعية خير العلوم قاطبة فقال:
فاق علم الشريعة الكل فضلا هل تضاهي شمس النهار الثريا؟
إن الحياة بلا دين حياة عديمة النفع أو كما يقول النوري:
إن الحياة بغير دين ليس فيها ما يزين
والدين سلطان على النفس يقيها كل دون
وبفخر واعتزاز يشير لأثر الدين في بناء الأمة (النوري، من الكويت، ص 17) فيقول:
هذا هو التاريخ أكبر شاهد |
الدين كان لأمتي سلطانها |
وهذا لا يعني نبذ العلوم وهجرها، فهي كلها مهمة فالعقول تتغذى بألبان العلوم عند النوري (الشرباصي، 1977م، 188) ولقد قضى النوري عمره يدرِّس مجموعة مواد دراسية متنوعة وكانت الكتب التي يطلع عليها من ميادين ثقافية متعددة.
يمكن تقسيم مرحلة طلب العلم في حياة النوري إلى مرحلتين تتخللهما فترات خاض فيها النوري معترك الحياة؛ مرحلة تعلمه في العراق حيث تعلم مبادئ العلوم وتبدأ هذه المرحلة بعد أن ختم القرآن الكريم مع والده، وفي هذه المرحلة أيضا دخل المدارس الأهلية (الكتاتيب)، ودخل المدارس التركية كما تعلم في مدارس الاحتلال الإنجليزي في سنة 1335هـ – 1916م .وكان متفوقا في دراسته وأكمل مسيرة التحصيل في دار المعلمين في بغداد. أما المرحلة الثانية في مسيرة النوري التعليمية فقد جرت أحداثها على أرض الكويت وهي الانطلاقة الفعلية وبداية طلبه العلم الشرعي. يحدثنا النوري عن سر تحول مساره التعليمي وتعمقه في العلوم الشرعية في الكويت فيقول:
“وفي رجب سنة 1345هـ، وكنت قد جاوزت السنة الثانية والعشرين من عمري، قال لي والدي رحمه الله: ستذهب بعد أربعة أيام إلى الهند. وكنت لا أجادل الوالد في قرار يقرره، ولا أرد عليه بغير كلمة “أبشر”. فسكت ولم أرد عليه بالكلمة التي تعود سماعها مني، فنظر إلي نظرة عميقة وقال: مالك؟ فقلت: له أمرك ولم أقل أبشر. جرى هذا الحديث بعد صلاة المغرب، فقال لي: اذهب فصل إماما بالجماعة العشاء، فأنا اليوم تعبان، وبعد الصلاة عدت، فقال لي: مالك؟ كأنك لا تريد السفر؟ قلت: نعم يا أبي … سألني اليوم سائل عن الوضوء فلم أعرف جوابه وأنا إمام وأبي من علماء المسلمين، فكيف إذا سألني غدا سائل آخر عن الصلاة أو عن الصيام؟ إني أريد أن أتعلم لأعرف كيف أجيب عن أسئلة السائلين” (ص8، 9، باختصار).
هذه النشأة في المنبت الكريم هيأت للشيخ عبدالله فرصة تكوين شخصية متميزة عصامية ولعل أهم صفات النوري الشخصية التي صاحبته في معظم صفحات أيامه الصفات التالية:
-
حب العلم وتقدير طلابه وتوقير أساتذته واستقبال طلاب العلم والسائلين باللطف والبشاشة وطلاقة الوجه والكلمة العذبة.
-
الجلد في الأخذ والعطاء فكان نهمه للعلم شديدا وبذله في تحصيله عظيما.
-
الثقة بالنفس.
-
تعظيم الصدق والأمانة. لقد كان النوري يعيش في مجتمع يعلي من شأن الصدق والأمانة إلى أبعد الحدود وكان النوري يدير الأمور على ذلك النهج (الرشيد، 2006م، ص 112).
-
قدوة حسنة.
-
كان الدين بالنسبة للنوري تسامح من غير تساهل واعتداد بالنفس باعتدال.
-
الاعتزاز بالعروبة والإسلام.
إن سبر غور سيرة عبدالله النوري كفيلة بدعم ما سبق بيانه وهو ما سيتطرق له ويستطرد فيه الباحثان على مهل في مطاوي العمل الراهن.
أساتذته
محمد نوري الموصلي هو والد عبدالله وأستاذه الأول ولد في مدينة الموصل في شهر رمضان سنة 1285هـ، وتعلم فيها وعلم، وأجيز للوعظ والتدريس، وهاجر من الموصل سنة 1315هـ إلى جنوبي العراق، واستوطن البصرة، وتزوج بها، وولد له أولاده فيها. ثم بطلب من أهل الكويت سافر إليها في سنة 1341هـ وذلك عبر ترتيب مع ابنه عبدالله. قام والد عبدالله النوري بالتدريس في المدرسة المباركية وهي أول وأهم مدرسة أهلية نظامية في الكويت، إلى أن توفي رحمه الله تعالى في رمضان سنة 1345هـ الموافق سنة 1926م. وهكذا ولد وتوفي والد عبدالله النوري في شهر رمضان المبارك بعد رحلة تعليمية جادة.
لمع والد عبدالله النوري في مجالات العلم والأدب والموعظة الحسنة، وتولى تدريس اللغة العربية في المدرسة المباركية (السعيدان، 1993 م، ج3، ص 1666). يروي عبدالله النوري عن والده أنه قال له “العربية سلم العلوم، إذا عرفتها استطعت أن تقرأ وأن تفهم ما تقرأ”.
ومن شيوخ النوري الأفاضل عبدالله الخلف الدحيان الذي يعتبر من أبرز علماء الكويت علما وأدبا وعطاء (العجمي، 1994م). قال النوري وهو يصف مجلس أستاذه الدحيان كان مجلس وعظ وإرشاد يلتمس أسهل الحلول للسائل كما ورد في كتابه سألوني في التفسير (النوري، 1986م، ص 206). ولقد أقام النوري مع زملائه بإعداد حفلة تأبينية كبرى بعد وفاة الدحيان (1292-1349هـ= 1875-1931م) وذلك في قاعة المدرسة المباركية (الرشيد، 1983م، ص 59) وقدم النوري وفاء لشيخه قصيدة تفيض بالحب والعرفان، وتنبض بالصدق والإحسان.
كتب النوري إهداء كتابه من غريب ما سألوني إلى والده ومعلمه الأول وأستاذه وشيخه محمد نوري الذي غذاه بالمعرفة وهو رضيع ثم إلى عبدالله الدحيان الذي كان له كالأب وأخلص في التعليم ودعا لعبدالله النوري بالبركة وأخيرا كان الإهداء لأستاذه جمعة بن جودر الذي علمه قواعد اللغة العربية (1984م، ص 5).
وفي كتابه خالدون في تاريخ الكويت يصف النوري أخلاق معلمه عبدالله الخلف الدحيان الذي كان يتمتع بأخلاق عالية قوامها الدماثة والثقافة فيقول “ومع ضخامة ما حصله من علم فإنه كان يشعر دائما أنه مازال في بداية الطريق .. وأن درجات السلم كثيرة، وعليه أن يصعدها بصبر وأناة .. وأن عليه أن يسعى للعلم أينما كان وبلا كلل .. فللعلم حلاوة وللنهم إلى المعرفة طلاوة لا يعرفها غير العلماء. وكان يراسل كل من اشتهر بالعلم في الأقطار الإسلامية عربية أو غير عربية .. ورسائله لم تكن رسائل للتعارف أو سؤال عن الحال .. بل كانت للدراسة وطلب العلم .. فكل رسالة وجوابها صدفتان مشتملتان على اللآلئ الفرائد في عظيم الفوائد التي لا يدركها إلا من كان ذا علم غزير وذكاء مفرط. إن رسائله إلى العلماء وثائق تستحق أن تدرس لكل طالب علم .. فقد كانت هذه الرسائل تتضمن استفسارات وأجوبة وأحيانا بحوثا كاملة في شتى المواضيع” (ص72، بتصرف).
وعن دماثة خلقه يقول النوري مادحا الدحيان “وكان يمزح مع الكثير من تلامذته وأصحابه، وأذكر فيما أذكر أني أتيته بعد صلاة فجر يوم شديد البرد وقد لبست في يدي قفازين وطويت غترتي [غطاء الرأس عند الخليجيين] على رقبتي ولم يظهر مني سوى وجهي، ولما صافحني ضحك وقال: لم يبق عليك إلا أن تتنقب .. ومنذ ذلك اليوم لم ألبس في يدي القفاز وهو ما يسمى في الكويت (الدسوس) حتى في أشد أوقات البرد”.
ويمضي فيروي النوري قصة ثانية عن أستاذه الدحيان فيقول “وجاءه شاب وحيد لأبويه اتخذ له مسكنا غير مسكن أبيه ليستقل فيه هو وزوجته فلامه الشيخ على ترك بيت أبيه فقال: يا سيدي الشيخ – ما قصدي من ذلك إلا أن أقصر من لسان أمي. فقال الشيخ: ومن يقصر لسانك؟ .. فطأطأ الرجل رأسه ولم ينطق بكلمة واحدة .. وتساقطت دموعه .. ولم تغب شمس ذلك اليوم حتى رجع الشاب إلى سكن أبيه يسأل والديه الرضا ويستغفرهما عن ذنبه تجاههما. عرف كل الناس منزلته حتى الصبيان .. فكانوا يعترضون طريقه لا لشيء إلى ليسلم عليهم .. ثم يدخل الولد على أبيه يكاد يطير من الفرح لأن الشيخ سلم عليه. وأخيرا لا آخرا فإن من عد موج البحر عد طويلا” (خالدون في تاريخ الكويت، ص76).
الشيخ عبدالوهاب الفارس (1395هـ – 1975م) درَّس عبدالله النوري كتاب «نيل المآرب في شرح دليل الطالب» وهذا الكتاب في الفقه الحنبلي وهو من تأليف الشيخ عبدالقادر الشيباني (النوري، 1975م، ص 13). يروي النوري بداية رحلته مع شيخه عبدالوهاب الفارس ويكشف عن كريم أخلاقه، وعظيم شأنه، وشديد ورعه وبُعده عن استلام القضاء فيقول: “وبعد قفولنا من الحج في أواخر محرم سنة 1351هـ قررت أن أعيد على الشيخ عبدالوهاب قراءة (نيل المآرب في شرح دليل الطالب) للشيخ عبدالقادر الشيباني .. ولما عرضت عليه رغبتي رحب بها رحمه الله فكان منذ ذلك اليوم صديقي وأستاذي .. وكنت آنئذ معلما في المدرسة المباركية فكنت أحضر قبل صلاة العصر كل يوم. وقد وفقنا الله لإكماله قبل رمضان سنة 1351هـ فكانت مراجعة مباركة بفضل الله فحمدا لله على ذلك… وتحولت جلساتنا إلى حلقات علم وفقه وكان له رحمه الله اليد الطولى في هذه الجلسات .. لم يبخل بعلم على أحد ولم يفت بغير علم. وفي سنة 1364هـ عُرض عليه رئيس المحاكم يومئذ الشيخ عبدالله الجابر الصباح القضاء .. وكأني أراه وقد جمع إليه ثيابه وهو يستغفر الله ويستعيذ به ويرد على الرئيس قائلا: لا يا شيخ .. لا يا شيخ .. أرجوك أعفيني من هذا المنصب فأنا غير لائق به لأني سريع الغضب .. ولا أظن رفضه هذا إلا نزاهة وبعدا عن مزالق القضاء فقد كان يدرك كبر المسئولية وجسامتها وخشي أن يصدر حكما يؤرقه طوال حياته ” (ص13، باختصار).
تعلم من النوري وتتلمذ على علمه وأدبه الكثير من الفضلاء والفقهاء من مثل يوسف الحجي والشاعر فهد العسكر وعبدالعزيز حسين وغيرهم من أصبحوا من رواد الفكر، ورموز العلم، ومصابيح العمل الخيري. قال يوسف الحجي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامیة الأسبق: بدأت معرفتي به بالتتلمذ على يديه بمدرسة المّلا عبد اللطیف العثمان وأولاده حیث كان يدرس اللغة الإنجلیزية في عام 1936 م.
الاتجاهات الثقافية
عاصر عبدالله النوري بداية الحركة العلمية في الكويت ففي بداية القرن العشرين أخذت الكويت تضع لبناتها الأولى لنهضتها التعليمية قبل تدفق النفط وقبل قدوم مد الرخاء. إن احتكاك النوري المبكر بالفكر الإصلاحي عبر معاصرته لأقطاب الثقافة الكويتية من أمثال عبدالعزيز الرشيد (1887-1938م) ويوسف القناعي (1878 – 1973 م) فتح له آفاقا خصبه لرؤية عملية تأسيس المدارس وسبل إدارتها وتطويرها ومواجهة الفكر المتشدد الرافض للجديد المفيد. ولقد كان النوري شديد الإعجاب بمصلح ومعلم الكويت الأول الشيخ يوسف القناعي. قال النوري عن القناعي أنه هو “أول رائد للنهضة العلمية والأدبية في الكويت”.
كان الرشيد والقناعي من أنصار فكر رشيد رضا وتعرضت حياتهما لخطر المتشددين بسبب مواقفهما الفكرية المؤيدة للإصلاح (الرشيد والشنوفي ، 2008م، ص 35).
وعلى نهج والده عمل عبدالله النوري في المدرسة المباركية لمدة سنتين وكان في المناسبات الدينية يشارك بإعداد البرامج الثقافية. وفي عام 1929 اختلف النوري مع أحد الفضلاء فترك النوري المباركية (النوري وآخرون، 2008 م، ص 21)، وكاد أن يرحل إلى المملكة العربية السعودية ولكن القناعي الذي كان رئيسا لمجلس إدارة المدرسة الأحمدية تحرك في اللحظة المناسبة وقدم عرضا موفقا إذ طلب من الشيخ عبدالله النوري العمل فيها حيث عمل مدرسا للدين واللغة العربية. واستمر النوري بعمله في المدرسة يدرس خمسة دروس ويصلي في مسجد اليعقوب “الخالد” الأوقات الخمسة. ومن أدب المعلمين أنهم يقدرون حق الرواد ويذكرون فضلهم فها هو عبدالله النوري يُذكِّر الأجيال بشخصية القناعي بقوله:
فالكويتي يا ابن عيسى مدين |
لك بالعلم لم أقله فريا |
وجد النوري النادي الأدبي الذي تم تأسيسه في عام 1342هـ (1924م) مكانا ثقافيا مهما للشباب الذين انتخبوا عبدالله الجابر رئيسا وكان الاشتراك فيه روبية في الشهر. أقام النادي حفلات ترحيب لعدد من الضيوف منهم أمين الريحاني مؤلف كتاب ملوك العرب ومنهم محمد الشنقيطي (انظر، تلفزيون الكويت، لقاء مع عبدالله النوري) كما كان الشباب يلقون المحاضرات والخطب وكان النوري من تلك الكوكبة التي تفاعلت مع هذا السياق العلمي الذي صاحب النهضة الثقافية في الكويت رغم أن عمر النادي لم يطل كثيرا إلا أنه أثره ظل كبيرا.
ويعتقد الراصدون للشأن الثقافي (العجمي، 2009م، ص 18) أن الكويت شهدت في الربع الأول من القرن العشرين تغيرات جذرية في البلد وكانت التغيرات كمخاض لنهضة واسعة وسريعة لجملة أسباب منها:
-
تأسيس المدارس شبه النظامية: المباركية (1911م)، والأحمدية (1921م).
-
ظهور جيل شاب متعلم، أسس جمعيات أدبية مثل الجمعية الخيرية (1931هـ)، والمكتبة الأهلية (1922م).
-
الاطلاع على الصحف والمجلات.
-
زيارات العلماء وتوعية الناس.
-
مواجهة دعاة التشدد الديني بالحكمة والرفق والتعليم المنظم.
لاحظ النوري فيما عاصره صدق وإخلاص وسخاء الناس قبل طفرة البترول فراح يكتب بإعجاب وإكبار ما قدمه المحسنون في الكويت لمساندة التعليم. ذكر النوري في قصة التعليم في الكويت كيف تم إنشاء مدرسة السعادة للأيتام إذ أسس شملان بن علي في سنة 1343هـ الموافق 1924م هذه المدرسة على نفقته، “وكان من تجار اللؤلؤ الأثرياء، وعمرت زهاء الخمس سنوات، وللأزمة الاقتصادية التي حلت بأهل اللؤلؤ وبغيرهم سدت” (ص62). وإتماما لما سبق نجد النوري في كتابه خالدون في تاريخ الكويت يتناول بالتحليل والشرح سيرة شملان بن علي الرومي فيقول “وكان يؤمن أن الصدقة التي تعطى في اليد قد تقيم أودا .. أو تهزم جوعا. أو تشتري ثوبا، ثم يزول أثرها، وإرادة الرجل كانت أن يكون عمله له صفة الاستمرار، ولابد أيضا من إعداد هؤلاء اليتامى لمواجهة المستقبل وفي يد كل منهم سلاحه. إذا .. فلا بد من إعدادهم إعدادا جيدا كي يشقوا طريقهم في الحياة بثقة وأمل. وأفضل سلاح هو العلم” (ص30، بتصرف). هذه الأحداث الاجتماعية كانت شديدة الأهمية فتأصلت في نفس النوري حتى غدا بعدها من المحسنين ممن يُشار لهم بالبنان في أكثر من بلد ومكان ولازالت جمعيته الخيرية تفيض بالإحسان وتشهد بذلك. كان النوري امتدادا للجيل المعطاء فلقد قام بإنشاء المدارس الخيرية ورعايتها معنويا وماديا وتطويرها بكافة السبل.
كان النوري مبتكرا في فنون الدعوة والتعليم وساهم في جعل الكويت محطة من المحطات المهمة في العمل الخيري وبناء المدارس في بقاع العالم ولا زال عمله الدال عليه والنابع من معينه ماضيا في إسعاف المحتاجين.
المبحث الثاني: أخلاقيات المعلم
يعتبر المعلم حجر الزاوية في التربية والتعليم والثقافة ويتوقف على كفاءته إعداد الجيل وتربية علميا، وسلوكيا وأخلاقيا (الزحيلي، 2009م، ص 553). ومن هذا السياق ندرك قول مَالِك بْن أنَس: “نَشْرَ العِلْمِ وَتَعْلِيمَهُ مِنْ أفْضَلِ الأعْمَال” (ابن عبدالبر القرطبي، 2000، ج5، ص 135) وقال أحد علماء الأزهر “من علامات الفتوح على طالب العلم: احترام العلم، والمعلم، والكتاب” (القضماني، 2002م، ص 44). المعلمون كما يقول الخليفة المأمون خير “جماعة تمشي على الأرض ، فهم مصابيح الهدى في دياجير الحياة” (الكبيسي وآخرون، 2001م، ص 24).
يقول الشيخ عبدالله النوري “في الأمة شخص إذا صلح صلحت الأمة، وإذا فسد فسدت، ألا وهو المعلم، المعلم هو الدليل الذي يهدي ناشئة الأمة إلى النافع المفيد، والملاك الذي يوحي إليهم أن العلم يرفع الأمة إلى أعلى الدرجات، وأن الجهل يهوي بها إلى أسفل الدركات، وأن من يمشي مكبا على وجهه ليس كمن يمشي سويا على صراط مستقيم” (قصة التعليم في الكويت في نصف قرن، ص 12). ويتسق هذا التصور الدقيق عن مكانة المعلم مع قول محمد رشيد رضا عن سجايا العلماء ومكانتهم “العلماء والحكماء من مجموع الأمة بمنزلة العقل المدبر والروح المفكر من الإنسان، فصلاح حال العلماء والحكام يُصلح حال الأمة، وفساد حالهما مُفسد لحال الأمة بأسرها” (رضا، بدون تاريخ).
ومن الحق القول أن عبدالله النوري كان “يهوى التدريس ويغرم به، ولذلك اشتغل به ليلا ونهارا، متطوعا ومأجورا، في مدارس أهلية، وفي المعهد الديني عند أول نشأته، وفي المعهد التجاري” (الشرباصي، 1953م، ص 186)، وكان المعهد الديني حينئذ يضم أربعة فصول، أحدها لطلبة الفقه الحنبلي بإشراف عبدالله النوري. لقد أصبح النور مدرسا خلال الفترة من 1923-1933م موزعة ما بين المدرسة الأحمدية والمباركية ثم عاد للتدريس مرة أخرى في عام 1947م (العبدالمغني، 1999م، ص 79). ولم ينقطع عن تعليم الناس في المسجد وفي أجهزة الإعلام وفي كتبه حتى آخر حياته.
إن التعليم والتدريس عبادة بل من أعظم العبادات. قال ابن الجوزي (2003م) “وأما تعليم الطالبين، وهداية المريدين، عبادة العالم. وإن من تفضيل[1] بعض العلماء إيثاره للتنفل بالصلاة والصوم، عن تصنيف كتاب ، أو تعليم علم ينفع، لأن ذلك بذر يكثر ريعه، و يمتد زمان نفعه. وإنما تميل النفس إلى ما يزخرفه الشيطان من ذلك لمعنيين أحدهما حب البطالة، لأن الانقطاع عندها أسهل. الثاني: لحب المدحة فإنها إذا توسمت بالزهد كان ميل العوام إليها أكثر” (ص 51).
وإذا تتبعنا أخلاقيات المعلم فسنعثر في ثنايا كتب النوري على ملتقطات رائعة ولفتات فريدة ومن ذلك قوله في سألوني في التفسير “والمدرس إذا لم يفتح صدره لكل سؤال من أسئلة تلاميذه فهو متكبر لأنه رضي أن يكون معلما والمعلم يعلم الجهال فإذا لم يكن جهالا فلا حاجة إلى معلم.. إذا .. يجب عليه ما دام قد رضي بهذه الوظيفة أن يفتح صدره وأذنيه لكل سؤال يوجه إليه من هذا المتعلم يسمعه منه دون أن يعيب عليه .. فإذا لم يكن السؤال واضحا أوضحه هو .. وصححه له” (النوري، 1986م، ص 168). ولا شك أن التواضع خلق عظيم وكما قال النوري (1978م، ص 82) “التواضع صفة من صفات البر. وصف الرحمن بها عباده “وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً” (الفرقان: 63).
يحدثنا النوري عن صورة من الصور الفريدة في تضحية وإخلاص المعلم في أداء رسالته والتفاني في العطاء حيث كتب في كتابه الفذ قصة التعليم في الكويت:“وقد اشتهر السيد أحمد السيد عبدالجليل بكرمه وحبه للعلم وطلبته، وإخلاصه في التدريس، وقد أفاد كثيرا من الناس، وقيل عنه إنه أصيب بالفالج[2] النصفي فكان يُحمل على كرسي إلى المسجد للدرس ثم يرجع إلى بيته محمولا حتى مرض مرض الموت” (ص18). هكذا كان بناء الكويت وهذا عطاء الأجداد لا يتهربون من مدارسهم وأعمالهم اليومية بإجازات وهمية، وأعذار واهية.
ومن أخلاقيات المعلم الرحلة في طلب العلم وهي ذات نفع عظيم على مسيرة التعليم ولهذا يقول النوري عن رحلة السيد عمر عاصم “ساح في بلاد الله الواسعة، والسياحة يومئذ متعبة، والسفر فيها شاق، وكانت وسائله في البر الدواب، وفي البحر السفينة تسيرها الأشرعة أو البخار، ولكنه استسهل الصعب في سبيل رغبته، وقد أراد رحمه الله أن يقف على حضارات الأمم بنفسه، ويسعى للدين في أمكنته يقرأ ويتعلم”. “وقد كان لتجواله الكثير وسفراته العديدة أثرها في أن يستقي من كل بلد مر به أفضل ما فيه من طرق التعليم، فابتكر طريقة جديدة للتعليم، كانت فكرة في رأسه، ثم اختمرت في ذهنه، ثم نفذها على طلبته” (خالدون في تاريخ الكويت ، ص58، 59، باختصار).
ويقول النوري عن عبدالعزيز الرشيد المؤرخ المشهور والمربي الكبير “سافر إلى الحجاز حاجا سنة 1321هـ وبعد أن أدى الفريضة جاور في المدينة ولازم حرمها متعلما ومعلما يتنقل بين علمائها من حلقة إلى حلقة، مغترفا من معين المعرفة. وكان نهمه للعلم وانكبابه على الدرس غريبا فقد طرق كل الأبواب بحثا عن المعرفة ونهل من بحر العلم في شغف، متفهما واعيا مفكرا” (خالدون في تاريخ الكويت، ص87، باختصار).
ولا شك أن النوري نفسه تأثر بالأسفار بحثا عن العلم تارة وبحثا عن الرزق تارة أخرى. لقد ساهمت أسفاره في نمو أفكاره وتهذيب شخصيته لتكون شخصية عصامية حيث غادر أسرته وحيدا واتجه إلى بغداد حيث التحق بدار المعلمين كما ترك الزبير وأقبل على الكويت ومنها سافر تاجرا إلى سيلان والهند والعراق والبحرين.
القدوة أساس التربية. المعلم وإمام المسجد والمفتي والآباء قدوة حسنة “والويل كل الويل لمريض يداوي الناس وهو عليل” كما يقول النوري. ولقد وافق قول النوري واقعه فلقد قال عنه العالم الجليل بدر متولّي عبد الباسط: معرفتي بالنوري تمتد إلى سنوات خلت، عرفته داعیة للإسلام بماله وبمقاله، وكان يقول كلمة الحق وكان مرجعا فقهيا في أمور الدين والدنیا (محسنون من بلدي، 2001م، ص 87).
يدرك المربون أن التربية بالقدوة الحسنة أعلى مراتب التربية (عبد ومطيع، 2009م، ص 336)، “لأنها تعطي الآخرين قناعة بأن بلوغ الفضائل من الأمور الحسنة الممكنة، التي هي في متناول القدرات الإنسانية، وشاهد الحال أقوى من شاهد المقال (الميداني، 2008م، ج1، ص 215). ويرى النوري أن الفتوى إشارة وتعليم، والمستفتي مستشير ومتعلم، والمفتي مستشار ومعلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «المُسْتَشَارُ مُؤْتَمَن». وعليه فالفتوى ليس قضاء بل هي استهداء، استرشاد، تعلم (النوري، 1986م، ص 202- 204، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، ج1، ص 16).
وإذا كانت الحياة أخلاق فلقد تألقت أخلاق النوري كمعلم ومفتي إلى آخر لحظة في حياته حيث كان يجيب الأسئلة مُحتسبا وهو طريح الفراش في المستشفى حتى واتته المنية رحمه الله تعالى.
وفي رثائه لصديقه عبدالملك صالح المبيض كشف النوري (الشرباصي، 1953م، ص 188) عن أخلاقيات المعلم المتميز فقال:
غذى العقول بألبان العلوم كما |
غذى النفوس بنصح كله درر |
مما سبق نجد النوري يحدد أخلاقيات مهنة التعليم بتنمية العقل والنفس وإخلاص النصيحة والعطف على المتعلم والثبات في الموقف والنشاط في العمل وعدم الإحباط والأبوة في التعامل مع الشباب وإعدادهم للمستقبل. وهذه الأخلاقيات وغيرها تنطبق مع ما استقر في الفكر التربوي الإسلامي حيث يقول الإمام الغزالي (2005م، ص 54) أن من أهم وظائف المعلم الشَّفقة بالمتعلم وأن يجريهم مجرى بنية لقول رَسُول الله e “إنَّما أنا لكم مثل الوالد لولده”. كما شدد الغزالي على أهمية إخلاص النُّصح للمتعلِّمين.
إن النوري يتمتع بحس تربوي سليم فهو عبر نظراته الصائبة وخبراته العريقة في مجال التربية والتعليم أدرك أهمية النصيحة الحانية كغذاء وأدرك حرص المعلم على طلابه وجدانا وتجويدا. قال النوري “ومن لوازم الإنسانية ولوازم الإصلاح النصيحة” (1986م، ص 168 ). ومن توابع النصيحة النقد البناء وعن نفسه يقول في الأمثال الدارجة “وأنا أرحب بالنقد النزيه” (ص423). يصف النوري المعلم الجيد بالرحمة وحب المدرسة فيقول في كتابه خالدون في تاريخ الكويت عن أحد المعلمين كان الأستاذ محمد العجيري “الرؤوف الرحيم لطلابه. وكانت المدرسة أحب إليهم من كل مكان” (ص114). وفي مقام المدح يكشف النوري أهم أخلاقيات محمد الفارس أحد كبار المربين في الكويت فيقول عنه “كان يحتضن النابهين من طلابه ويشجعهم ويعطيهم من ماله ومن نفسه ومن وقته الكثير .. والتف حوله طالبو العلم يسألونه فيجدون عنده الجواب الشافي .. ويستفتونه في أمور دينهم فلا يبخل بفتوى ولا يحبس نصيحة ولا يكتم توجيها، وكان يلتمس الأيسر والأرحم لأنه عرف حق المعرفة أن هذا الدين يسر ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه” (خالدون في تاريخ الكويت، ص24)
المبحث الثالث: أبرز القضايا التربوية
في العام 1969م صدر قرار في وزارة الأوقاف بتشكيل لجنة الفتوى والتي ترأسها الشيخ عبدالله النوري. غلب على عمل هذه اللجنة العمل الشفهي، فلم تكن تسجل جلسات اللجنة. واستمر الحال ما يزيد على سبع سنوات، ثم صدر القرار الوزاري رقم 9 لسنة 1977 بإعادة تشكيل لجنة الفتوى من العلماء وترأس الشيخ عبدالله أيضا الرئاسة فيها. كانت هذه التجربة الثرية علاوة على عمل النوري في التدريس ثم التجارة والمحاماة وسكرتيرا في المحكمة وكذلك في التلفزيون والإذاعة نافذة لاستطلاع حركة المجتمع والاقتراب من قضاياه وزواياه على بصيرة وعن كثب.
عالج النوري العديد من المسائل منها العناية بالنظافة. قال عبدالله النوري (2007م) الطهارة هي نظافة والإسلام يأمرنا بنظافة الأجسام والأثواب والأثاث والمساكن وكل ما يتعلق بحياتنا فالنظافة من الإيمان والإنسان النظيف محبب إلى صحبه مكرم بين إخوانه (ص 405- 408). وذم الإسلام أضداد النظافة وكل ما يقرب للأقذار والفواحش والأمراض التي تهدد حياة البشر وتعكر صفو ودادهم وتدمر صفوف مجتمعهم. قال المولى سبحانه “إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ” (البقرة: 222). وفي نطاق هذا السياق قال النوري “النظافة صحة والصحة قوة” وقال “والنظافة دليل الإسلام” (النوري، 1973م، القسم الأول من الجزء الثاني، ص 47، 110). ولا شك أن العناية بالنظافة تسهم في تنمية العديد من جوانب الشخصية من مثل الصفاء والاطمئنان وتنمية العزة في النفس (محمد، 2009م، ص 222). والإسلام دين الأخلاق والجمال وعلاقة الأخلاق بالنظافة ظاهرا وباطنا علاقة وثيقة.
وتطرق النوري إلى قضايا المرأة فكان يرفض أن تُظلم أو تَظلم وكتب أن المرأة لم تكن حقيرة عند أسلافنا فالمرأة المحترمة كانت محترمه!! (من غريب ما سألوني، 1984م، ص 87، 203) وفي نفس الكتاب كشف النوري عن مظالم عديدة وقعت للمرأة. قال النوري “نعم إنهم جهلوا فعادوا إلى جاهليتهم وعصبيتهم للقبيلة وعادوا لاستعباد المرأة وقهرها وإرغامها على الزواج ممن لا ترضاه حتى حجز ابن العم بنت عمه وأرغموا ابنة العشر سنين على الزواج من ابن السبعين لأنه ابن عمها (الذباح الصلاخ) كما يصفونه، وقتل ابن العم من تتزوج من الغريب على كتاب الله وسنة رسوله واعتبروها زانية وعد قتله هذا تطهيرا. وخرس رجال الدين…” (ص 265). كان ابن العم يحجز ابنة عمه له ، وإذا طلبها غيره اشترى منه تنازله بمبلغ من المال حتى عام 1938 م حيث جاء قانون أبطل هذه العادة الجائرة ( ص 269). تتفق هذه الرؤى النقدية لعادات المجتمع العربي مع ما ذهب إليه المصلحون في الكويت (الكندري، 2006م، العيسى، 2008م، ص 142). إن الإشكالية في المجتمع العربي التقليدي ليس في الدور الذي تلعبه المرأة ، إنما في النظرة الاجتماعية لها وأنها تابعة للرجل (الكندري، 2010م، ص 139) ولا ريب أن المرأة الكويتية عانت الكثير بسبب ذلك (شو، 2009م، ص 208، 265، 269، 290). ولا زالت المرأة العربية اليوم عموما تحتل موقعا دونيا في البنية الاجتماعية (بركات، 2009م، ص 240) رغم وجود تغيرات ايجابية ظهرت في الساحة لتحسين الوضع من مثل ارتفاع نسبة تعليم الإناث. وفي قصة التعليم في الكويت أثنى النوري أيضا على المدرسة التي افتتحتها عائشة زوجة السيد عمر عاصم الأزميري في سنة 1245هـ الموافق 1927م لأنها أول مدرسة علمت الإناث الخط والخياطة والحساب (ص63).
يقدم النوري رؤية تكاملية لطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة فيقول “إن الرجل والمرأة نصفان يكمل أحدهما الآخر..فلا غنى لأحدهما عن الثاني ..ثم إنهما شريكان في الحياة كاليدين والرجلين يتعاونان..ومن كان بيد واحدة فهو أعضب[3] ومن كان برجل واحدة فهو أعرج” (1977م، ص 95).
تطرق النوري إلى قضايا تراثية من مثل العناية بالمصطلحات الدارجة في التعليم قديما فجاءت إسهاماته لتحفظ لنا شطرا مهما من تراثنا التربوي ومن تلك الكلمات قولهم الدخالة بمعنى مبلغ يدفعه ولي أمر الطالب للمعلم (الملا) في بداية دخول التلميذ للمدرسة، والمشاهرة: راتب شهري يأخذه المعلم في الكتاتيب من الآباء في نهاية كل شهر مقابل تدريسه للأطفال. والخميسية: مبلغ يدفعه ولي أمر الطالب للمعلم صباح كل خميس. والعيدية: مبلغ يقدم في الأعياد. والنافلة: صدقة للمناسبات الدينية تقدم في رأس السنة الهجرية والمولد النبوي، والإسراء والمعراج. والفطرة: تعطى صدقة رمضان للملا. وبشتختة: كلمة فارسية معناها خمس لوحات يحفظ الطالب فيها أدواته المدرسية (أوراقه وأقلامه ومصحفه) (النوري، ص 64) فالبشتختة صندوق خشبي بعضها مصنوع في الكويت وبعضها مجلوب من الهند أو كراتشي (تلفزيون الكويت: لقاء مع عبدالله النوري). والكشته: عطلة ربيعية في أوائل شهر مارس يخرج فيها المعلمون وأغلب الطلاب مع أهليهم إلى البر للتمتع بالربيع (النوري، قصة التعليم في الكويت، ص 26، 54).
وعن وسائل التربية والتعليم في القديم انتقد النوري بشدة ظاهرة الضرب البدني كما كان سائدا فقال في كتابه قصة التعليم في الكويت “لابد لكل ملا من خليفة يسمى عندهم “ريس” محرفة من رئيس، وهذا لابد أن يكون ممتازاً بخطه وحفظه، وربما بقرابته من المعلم، أو بوجاهة أبيه في المحلة، وهو يقوم مقام الملا في كل شؤونه، وربما في عقاب الجاني أيضاً. وكان الملا دكتاتوراً في مدرسته وعلى تلاميذه، لا يبدل القول لديه ، ولا يقال له لم ؟ وكيف ؟ ويجب أن يظهر أمامهم بكل ما يستطيع إظهاره من غطرسة وعبوس . لكن هذه العقوبات قلما ذاقها أبناء الأغنياء أو الشيوخ . ومن أمثالهم يومئذ “طق الكلب . يستأدب الفهد” أي اضرب أولاد العامة يتأدب أولاد الخاصة. قلما نجا من قسوة الملا وبطشه ولد مهما كان سلوكه حسناً إذ أنها ليست مقصورة على عبثه في المدرسة أو تأخيره في حضوره أو تقصيره في عمله الدراسي… والأسباب الواهية كثيرة، والملا يحبها ليظهر أمام آباء الأولاد بمظهر الحازم القوي والأمين الذي لا يغفل عن أداء الواجب في المحافظة على أولاد من أودعوه أولادهم. لذلك كانت النتيجة كراهية الولد للمعلم. والهرب من المدرسة التي هي عنده أشبه بالجحيم. لك اللحم ولنا العظام؛ اضرب ضربا يؤلم الجلد. ولا تكسر عظماً. عندها حدِّث عن خوف الولد المسكين. فكم منهم من جن. أو أغمى عليه أو ألقى نفسه من السطح فراراً من غضب الملا وبطشه . وأما من أرغمه أولياء أمره على المثابرة وتحمل آلام التعلم ، فقد قاسوا الكثير من موت إراداتهم وضعف نفوسهم. واضطراب تفكيرهم. وموت بعضهم . وأما من حرموا التعلم. وقاسوا مرارة الأمية كباراً فإنهم يذكرون باللعنة ذلك الملا وسوء معاملته. ولن ينسوا مهما بلغت بهم السن ما كان بينهم وبينه من بغض وخوف” (باختصار شديد).
ذم النظام التعليمي القديم عند النوري يأخذ طابع الموضوعية والعلمية في الغالب ويتسم بالصراحة ولعل الآثار السلبية للعقاب البدني قديما وحديثا هي التي حدت اليوم بوزارة التربية في الكويت وغيرها إلى منعه منعا باتا في المدارس. إن أسلوب النوري في التنفير من القهر ينم عن عقلية واعية تزن الأمور بدقة ودون مواربة.
وعلى النهج النقدي السالف الذكر تطرق النوري لقضايا حساسة تمس المعتقدات الشعبية ومنها قضية “العين التي يعتقدها الناس أنها تُدخل الرجل القبر، وتدخل الجمل القدر.. العين التي توقف السيارة في الطريق وتسقط الطائرة من السماء ولا وجود لها ..لأن التي تسقط الطائر لا بد أن تسقط الطائرة..والتي تسقط الجمل لا بد أن تكسر المدرعة والدبابة…” ويضيف النوري مستنكرا “بصفتي الحالية خبير بمجتمعاتنا في الكويت وغيرها لا أرى العين تصيب إلا أولاد المعدمين والمعدمات ولا تسلط إلا على أسباب رزقهم، فترى الأحجبة والتمائم معلقة على صدور ورؤوس هؤلاء وأولئك أو على وسائل رزقهم كأبواب الدكاكين والسيارات ولو سألت أحدهم لم هذه التميمة لقال لك عن العين أو قال: من شر حاسد إذا حسد ولو سألته ولما تُحسد؟ أو لما تصاب بالعين؟ أليس فلان الغني وفلان الجميل أولى منك بها. لما استطاع جوابا…أيها الناس آمنوا بالله وحده فإنه لا نافع لمن أضر ولا مضر لمنع نفع” هذه الظواهر أكثر انتشارا في البيئات الجاهلة (النوري، 1985، ج2، ص 88 ، 92، 204 باختصار) . ولازالت الغيبيات الخاطئة تهيمن على عقليات وسلوكيات شريحة غير قليلة من المجتمع العربي بل حتى في عقليات شريحة المثقفين وأعماق أنفسهم (وطفة، 2002م، محمد، 2009م، ص 36، وطفة 2007م، ص 171). إن التفسير السحري في المجتمعات التقليدية ممارسة خاطئة لدرء المخاوف وحيلة العاجز في مواجهة التحديات (وطفة، 2007م، ص 127) مع التنازل عن الفرد في التحكم في المصير والتأثير في مجريات الحياة (حجازي، 2007م، ص 139). كان ولم يزل العلم العامل الأساسي في تبديد الخرافات والتفسير السحري (راسل، 2008م، ص 21) كما أن الفهم الصحيح للدين صمام أمان للتصدي للأوهام.
المبحث الرابع: من الوسائل التربوية
سبق أن أشرنا إلى أهمية القدوة عند النوري وأهمية النصيحة والاستشارة والفتوى وأداء العبادات في توعية الجماهير. وإلى جانب ذلك استعان النوري أيضا بالعديد من وسائل التربية المؤثرة لتوسيع دائرة الإرشاد والتوجيه الجماهيري ولرفع سقف القدرات العقلية في التصدي لمحن الحياة والتعامل الصحيح مع معطياتها. ومن أساليب النوري في التربية والتوجيه والإرشاد استخدام أسلوب التعنيف أو كما يقول أسلوب “الصدمة الكهربائية” وهي قسوة ليستعيد السائل توازنه والعودة لرشده كما ذكر ذلك في مقدمة كتابه من غريب ما سألوني (1984م، ص 10). وفي نفس الكتاب تطبيقات لذلك الأسلوب حيث يقول للسائل “غريب أمرك..تقول أنك عفيف..مستقيم السيرة..محافظ ومع ذلك لا في تصرفاتك صفة واحدة من هذه الصفات التي تنسبها لنفسك” (ص 52). ويقول لسائل آخر “تقول أنك ذو شهامة، والشهم لا يفكر فيما فكرت فيه ولا حتى الصبي ابن ذوي الشهامة يكتب ما كتبت ويقول ما قلت..” (ص 251). ويبدو أن خبرة النوري في الحياة وعمله الطويل في المحاكم (طعمة، 2008م، ص 28) وفي تقديم الاستشارات على صفحات المجلات وفي الإذاعة والتلفاز جعله يقسو أحيانا على بعض السائلين ممن فرطوا في حق الأمانات واستهتروا بالأعراض فوجد أن القسوة الأبوية مطلوبة أحيانا لصحوة الضمير وإيقاظ الشارد كي يستعمل مداركه ويتدارك واقعه.
وإذا شعر بندم السائل وتوبته نجد النوري يقدم الخطاب الرحيم ويؤثر التوجيه بالرفق فيقول للسائل “أنت مريض يا ولدي.. وتحتاج إلى العطف والعلاج أكثر إلى القصاص وإقامة الحد عليك..عالج نفسك يا ولدي وحاول ولا تيأس” (من غريب ما سألوني، 1984م، ص 83).
والتربية بالعبادة من أعظم وسائل تصفية النفوس. وإذا كانت الصلاة عماد الدين فإنها كذلك عماد التربية الإسلامية القويمة فهي تهدي للخير وتقي مصارع السوء. من هنا نجد النوري يشدد على هذا الأمر في بيته ومع أسرته أولا ثم يطلب برفق ضرورة المحافظة على الصلاة ويحذر من التفريط في حق الصلاة وفي منظور النوري ومن يحبها يحرص عليها إذ أن “المحبة رغبة، ومن أحب شيئا تفانى فيه، لا يمنعه عنه مانع” (النوري، 1973م، القسم الأول من الجزء الثاني، ص 71). ولا يقف النوري عند هذا الحد فيرى أنه من الواجب على المسئولين في البلاد المسلمة تخصيص أماكن للصلاة في المدارس وفي كل مؤسسة فالصلاة عماد الدين وإذا تعودها الطالب كانت له نشاطا في جسمه وعقله (النوري، 1973م، القسم الأول من الجزء الثاني، ص 109) ويعزز قوله بشاهد جميل من ذاكرة تاريخ التعليم في الكويت حيث كان الأولاد في المدارس القديمة في الكويت يصلون الظهر والعصر فيها. إن من غايات الصلاة تقوى الرحمن وتقوية الإيمان، وتصفية النفس، وإصلاح السلوك، وحماية المجتمع. قال جل ثناؤه “اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ” (العنكبوت: 45). شدد النوري على أهمية المسجد في الإسلام ودوره في حياة المعلم والمتعلم والناصح والمنتصح. وإمام ناصح ومصلح ومرشد (النوري، 1986م، ص 201).
استخدم النوري الأمثلة الشعبية في مواعظه وكتاباته وتوجيهاته ووظفها في التربية وحفظ الهوية الوطنية. ورد في كتابه الأمثال الدارجة “فإن المثل كلام واضح المعنى، موجز اللفظ، حسن التشبيه، لطيف التعبير، يحسن وقعه على السامع، تناولته الألسنة، فأصبح لوضوح معناه متداولاً خفيفاً على اللسان، يقصد به قائله الكناية عن شيء يفهمه الحاضرون” (ص5). استخدم الأمثلة الشعبية وخصص كتابا مستقلا لهذا الغرض فالأمثلة الشعبية عصارة الذاكرة الجمعية وخلاصة التجارب المجتمعية. ومن الأمثلة الشعبية الدارجة ذات المضامين التربوية قولهم “إذا حصل الهرس بطل الدرس” (ص19) المعنى: لا يجتمع أكل ومذاكرة بوقت واحد. ومن الأمثلة “اللي فيه طبع ما يجوز من طبعه (ص42) أو اللي به طبيع ما يتطبع والمعنى: صاحب العادة لا يتركها ولو طُلب منه تركها. ومثله قول الحريري:
والشيخ لا يترك أخلاقه |
حتى يوارى في ثرى رمسه |
والصحيح أن كل الطباع تتغير بالإرادة الصحيحة والأساليب التربوية السليمة.
ومن الأمثلة “اللي ما عنده عتيق ما عنده جديد (ص45)، وقولهم: تربي يا مربي وأنا أعرف أمي وأبي (ص86) يُضرب لمن يربي أولاد غيره ويحسن إليهم رجاء أن يفيدوه إذا عجز، حتى إذا بلغوا أشدهم تركوه إلى أهلهم. وفي المثل “ختم وقالوا له آمين” (ص125) المعنى: كان ختم القرآن مكملا للمرحلة الأولى من التعليم، فكان إذا أكمل الصبي القرآن قالوا: “ختم القرآن” فيعمل له أهله احتفالا يقرأون فيه قصيدة تسمى بالتثويبة يتولى قراءتها أحد الصبية ويقول السامعون عند آخر كل مقطع منها: آمين. يُضرب المثل لمن أتم أمراً ونجح فيه. ويقولون “الصبي ما هو نبي” (ص190) يُضرب للشاب يخطئ بنزوة الشباب، فيقال لوليه لا تغضب فهو ليس معصوما كنبي. ومن الأمثلة: كل ما يكبر يدبر (ص270). يُضرب للصغير يكبر فتسوء تربيته وتسوء طباعه كما وضح النوري. ومنها: “لولا المربي ما عرفت ربي (ص298) معناه كما قال المؤلف: “الإنسان يولد جاهلا، والمربي هو الموجه وهو القدوة. يُضرب في حسن تربية المربي أو في الولد يربيه وليه التربية الحسنة”. وقالوا “من يقرأ؟ من يسمع؟ (ص354) و”معناه لا سامع لمن يقرأ ولا مصغي لمن ينصح. يُضرب للمجتمع يضيع الصالح فيه بين السفهاء، أو تسود الفوضى قلا تفيد فيه زعامة ولا تنجح فيه قيادة. وقولهم “ها العود من ها الشجرة” (ص384) “معناه هذا الغصن من هذه الشجرة، فهو فرع تابع لأصله. يُضرب للولد يأخذ عادات أبيه أو يتمثل فيه أبوه”.
وقالوا: امدحني وخذ كدي (ص436) قال النوري: “الكد: المكسب الذي يأتي بتعب وعرق جبين. معناه أن الإنسان يرتاح من الثناء عليه، فلهذا لا شيء أحب له من ذكره بجميل صفاته، فإذا ما أثني عليه أو مدح أو ذكرت محاسنه، طابت نفسه ومتى طابت نفسه جاد. يُضرب في مَن يحب الذكر الحسن. وورد في الأمثلة بَـدّْ القرض على الفرض (ص441) “معناه إن واجب الإنسان أن يؤدي ما عليه من ديون قبل أن يؤدي ما عليه من زكاة، لأن المدين لا يملك إلا ما فضل له بعد وفاء دينه، فواجب عليه إعطاء الناس ما يستحقون في ذمته أو أن على ورثة الميت أن يؤدوا ما على مورثهم من ديون قبل أن يقسموا التركة. يُضرب حثا بتقديم الأهم على المهم”. وقالوا: الجاهل عمـي (ص446) أي: أعمـى.
ومن أفضل أنواع التعلم والتربية القراءة. لقد اعتبر النوري الأمة القارئة هي الأمة الفائزة وكانت حياته مرتبطة ارتباطا وثيقا بالقراءة وكان دائما يقول: “خير هدية يهديها لي صديق هي الكتاب، أي كتاب”. وقال النوري “فالقلم هو الأساس الأول للعلم، وما يزال أوسع وأعمق أدوات التعليم أثرا في حياة الإنسان” (النوري، 1986م، 96). إن المطالعة الواعية أعظم وأكرم طريقة لتربية الناشئة كما تدل الدراسات الرصينة (Elkin, 2008, p. viii)، و”بلد يقرأ بلد يعيش” (عطوي، 2009م، ص 90).
والحق أن القراءة طريق الثقافة وقوام العلم لهذا يقول النوري “الثقافة يجب أن تواكب العلم إذ لا غنى لأحدهما عن الآخر. ومصدر العلم الكتاب والتعلم، فلا تعلم بلا كتاب، والكتاب عند غير المتعلم كجوهرة في قبر”. “والإنسان في كل زمان إذا لم يصادق الكتاب كان أميا. والشهادة، أي شهادة، قد تجعل من حاملها موظفا، لكنها لا تجعل منه مثقفا واعيا متفهما لما حوله، مشاركا فيه أو صانعا له. والعلم بحر محيط يجب أن يغترف الإنسان منه قدر استطاعته لتتسع مداركه، وتتبلور نظرته لكل ما يقابله من قضايا” (1978م، مذكرات عن حياة المرحوم الشيخ أحمد الجابر، ص 28-29). ومن أقوال النوري “كتبي هم أصحابي الذين لا يملون ولا يكرهون ولا يكذبون” (محسنون من بلدي، 2001م، ص86).
استخدم النوري الشعر في تعضيد فتاواه (النوري، 1973م، القسم الأول من الجزء الثاني، ص 160، 612) وحل المشكلات الاجتماعية. دعم النوري فتاواه ونظراته وأفكاره التربوية ومن عيون الشعر التربوي في الأدب العربي والشعر كما قال النوري (السجاري، 1978م، ص 103):
ما الشعر ما الشعر إلا حكمة |
أدت مع الإيجاز معنى |
الشعر الذي تمثل به النوري هو شعر الحكمة والأخلاق ومن ذلك ما نجده في كتابه سألوني في التفسير قول الشاعر:
يا أيها الرجل المعلم غيره |
هلا لنفسك كان ذا التعليم |
وفي معرض ذمه للطلاق وإهمال تربية الأبناء (النوري، 1985م، ج2، ص 199، ج1، ص 21) اقتبس النوري من شعر أمير الشعراء الآتي:
ليس اليتيمُ من انتهى أَبواهُ من |
هم الحياةِ، وخلَّفاه ذليلا |
يرى النوري أن الطلاق يوجد اليتامى “يتامى الطلاق” حيث يفتقد الأطفال غالبا الرعاية السليمة والحنان وتضييع مواهب الأطفال (من غريب ما سألوني، 1984م، ص 198، 216). ومن جهة أخرى حض النوري في أكثر من مناسبة بحسن تربية اليتامى فقال “تربية اليتامى مكرمة وفضيلة يحبها الإسلام، ويدعو إليها، ولا سيما تربية المنقطعين الذين لا عائل لهم كاللقطاء. وإذا كان المسح على رأس اليتيم حسنة، فكيف بتربيته” (النوري، 1973م، القسم الأول من الجزء الثاني، ص 519). والحق أن النوري جمعية الشيخ عبدالله النوري الخيرية اليوم تجسد رؤية ومسيرة الشيخ عبدالله النوري الذي هب لمعونة الفقراء ووهب حياته لنصرة قضاياهم واحتضن عبر مشاريعه الخيرية من الأيتام في قارات عديدة فالنوري سفير صدق لبلده ، وعروبته، وإسلامه، وإنسانيته. الكثير من الأبيات الشعرية عن المكارم التي استشهد بها النوري تصف شخصيته وقناعاته التربوية كقول الشاعر:
لأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أو أُدْرِكَ الــــمُنَى |
فَمَا انْقَادَتِ الآمَالُ إلاَّ لِصَابِرِ |
وكان النوري يأمر بالتوسط في تربية الأبناء ويذم الإفراط والتفريط فهما سيئان وكلاهما تناهي (من غريب ما سألوني، 1984م، ص 203) مثلما قال الشاعر :
حُب التَناهي غَلَط It carries its own very substantial and secure profile that enables it perfect for erectile dysfunction in men where he fails to get an erection even after sexual stimulation. donssite.com purchase cialis |
خَير الأُمور الوَسَط |
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن النوري كان يكتب بعض الشعر في شبابه ثم توقف وهو في مجمله نلمح منه الحس التعليمي والديني ليكون الناس أكثر ارتباطا بالجانب الروحي والعقلي (عبدالفتاح، 1996م، ص 192م). كان النسق الشعري عند النوري يميل نحو الجانب التسجيلي التوثيقي وهذا النسق يطوع الحوادث الجارية من خلال مقولة جامعة أو موقف سياسي أو اجتماعي أو ديني (الشطي، 2007م، ص 36). إن التربية الدينية تقوم على قوة الضمير.
ومن وسائل التربوية الرائعة القصة. تناول النوري في كتابه حكايات من الكويت العديد من القصص القصيرة وقال عنها “إنها حكايات تبرز للقارئ الكريم حقيقة أخلاق الكويتيين وكريم صفاتهم ومحاسن سيرهم وتضامنهم وعطفهم المتبادل فيما بينهم”. وقال “أقدم هذه الحكايات إلى أبناء أولئك الصفوة وإلى أحفادهم، لعلها تكون لهم كالقبس يهتدون بضوئه إلى الصراط الذي سلكوه، والحُلق الذي ألفوه، والتضامن الذي عرفوا به، والأثرة التي حالفوها” (ص7، 8، بتصرف)
يطالب التربويون اليوم باستغلال البث التلفزيوني والإذاعي في الدفاع عن الدين والدعوة إليه بالحكمة ونشر الثقافة الدينية الصحيحة (الصمادي، 2010م، ص 156) وهو الأمر الذي نجده جليا في حياة النوري فهو أول من ترأس إذاعة الكويت (الديحاني، 2009م، ص 17).
استعان النوري بالمؤسسات الإعلامية في نشر الوعي الجماهيري فكان يكتب في مجلة اليقظة وغيرها وكان حضوره الأسبوعي في الإذاعة والتلفاز لمدة تزيد عن عشرين سنة متميزا وراسخا في ذاكرة المتابعين لبرامجه في وقت كانت البرامج محدودة جدا، والقنوات الفضائية معدومة تماما.
المبحث الخامس: الإفادة المعاصرة
يقدم النوري المعلم بصورة مشرقة ويعلي من منزلته في المجتمع الإنساني فليس سوى التعليم للرشد سُلَّم وسبيل، ويوظف سحر الشعر لذلك الغرض فهو يقتبس من الرصافي التالي:
فلو قيل من يستنهض القوم للعلى |
إذا ساء محياهم لقلت المعلم |
في أخلاق المعلم ذكر الباحثان مجموعة من الأخلاقيات من وحي ميراث النوري وهي الجديرة بتزويد المعلمين والمتعلمين بها فهي خير دافع للإخلاص في النيات، واستنهاض الهمم، وتجود العمل، وتهذيب الوجدان. يمكن تقديم تلك الأخلاقيات وتطبيقاتها الميدانية في مقررات أصول التربية في كليات إعداد المعلم وغيرها لتهيئة جيل تربوي يستمد من أسلافه قيم التواضع والتضحية والعطاء والتسامح. يقول النوري عن المعلم ورسالته وأخلاقه ومعاناته:
من ذلك الـبَّر الجـواد |
بنفسـه ليفيــد غـيره |
الأبيات السابقة تكشف بجلاء عن شديد عناية النوري بمكانة المعلم وأن رسالته في النهضة وتنمية الناشئة وسعادة المجتمع في غاية الأهمية.
ثمة ميادين كثيرة يمكن توظيف فكر النوري فيها. يتميز النوري بسعة العلم ورجاحة العقل وسماحة النفس فهو لا يهمش المذاهب الإسلامية بل يقرِّب بينها عمليا ويحترم خصوصياتها فعليا فعلى سبيل المثال نجده يشير في إجابته عن أسئلة العامة من الناس ويذكر رأي أهل السنة وقد يردف القول ببيان رأي علماء الشيعة (النوري، 1973م، القسم الأول من الجزء الثاني، ص 29، 83، 133، 379) ويشير إلى دورهم في القضاء (تلفزيون الكويت، لقاء مع عبدالله النوري) ويروي القصص النبيلة عنهم. إن تهميش أو إقصاء الآخرين داء عند كثير من المتدينين وغيرهم بسبب تشددهم وتعصبهم وبسبب التمحور حول الذات. واليوم تزداد الحاجة لقيم التسامح والتعايش بين المذاهب الإسلامية والمجتمع الواحد من جهة وبين الشعوب والأديان الأخرى من جهة أخرى. السماحة التي تميز بها النوري توحد ولا تفرق، وتقرب ولا تبعد، وتجمع ولا تشتت. إن تأليف القلوب صعب ولكنه ممكن أما تأليب القلوب فهو سهل ولكنه يقصم الشعوب ويبدد الجماعات، ويشتت الجهود.
ورغم أن النوري صاحب دعوة واضحة للتعايش إلا أن هناك عبارات قليلة جدا تضخم نظرية المؤامرة وتفترض أن العالم بأسرة كتلة واحدة إزاء الإسلام وأتباعه. ومن ذلك قوله “أمم العالم كلها تكالبت ضد الإسلام على اختلاف مللها وتباين نحلها .. وكلها ترى في الإسلام خطرا عليها.. فهي تكيد له، وتحيك مؤامراتها ضده..” (النوري، 1986م، سألوني في التفسير ، ص 193). لا شك أن هذا قول لا يخلو من تعميم ومبالغة فعالمنا عالم تكتلات ومصالح ومصاعب وصراعات ولسنا ضحية مؤامرة عالمية نحمِّلها ضياع الأمة الإسلامية فالأمم الموفقة تحدد مصيرها بكدحها وعطائها ومن يتحر المجد يصل إليه.
تحدث النوري عن المجتمع في عمومه ولا شك أن الأسرة هي قلب المجتمع. إن الحاجة ماسة لتحصين الأسرة والتصدي للتصدع الأسري الذي أخذ في الآونة الأخيرة يشتد خطره ويشيع أثره. يقدم النوري ملخصات في غاية الإيجاز لكنها شديدة الأهمية لتأسيس أسرة متماسكة تتمتع بعلاقات سليمة. قدم النوري ست نصائح للأبوين من أجل تربية قويمة وهي:
-
الابتعاد عن المشاجرة فإن الخصام بين الأبوين قلق للأطفال.
-
العدالة بين الأبناء بالكلمة والعطية.
-
رعاية الأطفال بالحنان.
-
إرضاع الطفل وظيفة الأم.
-
إظهار المحبة بين الزوجين.
-
الشكر على النعمة عبر رعايتها (النوري، 1986م، ص 138). قال الشاعر:
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا |
فَإِنَّ المَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ |
كل نصيحة من تلك النصائح النورانية من مشكاة النوري تتضمن معاني مهمة ينبغي الالتفات إليها والتقيد بمقتضياتها لما فيها من حسن المآل وصلاح الحال فهي أساسيات للحياة الطيبة في الحياة الدنيا. على سبيل المثال نجد النصيحة الأولي للنوري تتفق مع رؤية محمد الغزالي حيث يقول (2002م) عن طريقة مقاومة المعوقات الأسرية “وقد رأيت أن فساد ذات البين في الحياة الزوجية يمتد إلى الأولاد، ويعرضهم لأسوأ الخلال وأوخم العواقب” (ص 114- 115). النصيحة الخامسة –وهي مرتبطة بالنصيحة الأولى- تشير إلى أهمية إشاعة المحبة بين الزوجين فهي أعظم منحة نقدمها يوميا وبصدق لأبنائنا وبناتنا داخل الوسط الأسري. أعظم شيء يستطيع الزوجان تقديمه لأطفالهم هو أن يحب أحدهما الآخر (زيجلار، 2008م، ص 143). أن تكون محبوبا هو أهم ثاني شيء في الحياة، أن تحب شخصا فذلك الأفضل على الإطلاق (ziglar, 2002, p. 18, 64). هذا عطاء عائلي متدفق يؤثر إيجابا على تعامل كل أفراد الأسرة فيما بينها بل ومع غيرها من الأسر. أن تحب زوجك هو أعظم ما يمكن أن تقدمه لطفلك. إذا اعتاد الأبناء والبنات رؤية المحبة والمودة والاحترام والتقدير والتفاهم والقيم الاعتذار وحسن الظن وقيم التعاون التي تنضح من إناء الأبوين فإن روح المودة الأسرية ستسود الجميع وستسري في النفوس بسلاسة عاجلا وآجلا. مَن يمنح الحب والتقدير يحصد المودة والحياة الطيبة. إن واجبنا جميعا هو السعي لبناء بيوت تفيض بالمودة ودفء الأسرة وحسن التعامل بين أعضاء الأسرة.
وفي كتابه الأمثال الدارجة يُورد النوري المثل التالي “أدب ولدك ولو زعلت أمه” (ص427) ويعلق قائلا: “معناه لا يمنعك غضب الأم عن تأديب الولد. يُضرب للترغيب بتربية الأولاد على الأخلاق الفاضلة”. ولا شك أن هذا القول عند النوري ينسحب على الأب والأم على حد سواء فلا مجال للمجاملة في تربية الطفل فالعاطفة لها نطاق أو ميزان بحيث لا تفسد العاطفة على الأبوين رعاية الأبناء والبنات بالإفراط أو التفريط.
ويمكن الإفادة من فكر النوري عبر الاعتناء بالقصص الشعبية التي جمعها وصاغها ورواها النوري بأوضح عبارة، وألطف إشارة. ولا شك أن التقنية الحديثة الموجهة بالأفكار الإبداعية قادرة على تحويل طائفة من تراث النوري إلى روائع إعلامية ذات المضمون التربوي المتميز. وإذا كان بعض الكتاب استثمر قصص النوري القصيرة وأعاد صياغتها وأضاف لها الرسوم التوضيحية (الخليفي، 2002م) وأحسن في ذلك، فإنه يمكن استثمارها على مستوى المسرح المدرسي بل يمكن تطويرها لتكون مسلسلات تلفزيونية وهي تستحق ذلك لأنها تتضمن قضايا أخلاقية ضرورية من وحي بيئتنا الكويتية. تلك القصص تبث الفضائل والوعي والعلم وهي من وحي الواقع العربي. وأضعف الإيمان توظيف نواتج فكر النوري على شبكات الانترنت لينهل منها المربون لا سيما في العالمين العربي والإسلامي.
كان النوري يجل الجيل الجديد ويخصه بكتبه وشعره ويكتبها من أجله ويوجه لهم الحديث نظرا لأهمية الجيل الجديد (تلفزيون الكويت، لقاء مع عبدالله النوري) فابن الكويت هو فتى النهضة وعليه تعلق الآمال فإن الشعوب بأبنائها (النوري، من الكويت، ص 16، 93، 94، 104) وما هذا المسار إلى دليل على سعة علمه وعمق نظره فالأمة الواعية هي التي تستوعب الشباب وتخصهم بالعناية فلا بقاء للأشجار بلا أغصان تجدد حيويتها.
وأخيرا فإن النوري انتقد –وهو محق- الجهل بسيرة النبلاء في التربية الحديثة في البلاد الإسلامية فقال “فترى الناشئ المتعلم يحفظ من سير رجال الغرب الشيء الكثير، بينما لا يعرف عن رجال دينه وأمته إلا القليل، تراه يعرف عن وقائع الغرب وحروبه ما لا يعرف عن حروب الإسلام وأيام العرب، تراه يعرف عن بلاد الغرب أكثر مما يعرفه عن بلاد العرب، تراه يقرأ تآليف الغربيين ومن على شاكلتهم ويترك كتب بني جلدته من العرب والمسلمين” (المــنبر ، ص69). دراسة الماضي تهذب العقل ويدربه على الاستنتاج وفهم الواقع (Murphy, 2007, p. 2) إن التربية المعاصرة لا تستطيع أن تنزع ثوب الأصالة فالأصالة الواعية بصيرة وهوية وقدر وعزة لتجويد مخرجات المجتمع، وشحذ وجدان الأمة، ورفع قدراتها العقلية.
كان الدين بالنسبة للنوري تسامح وتصرف وسلوك وحياة وانفتاح على العالم كما يقول ابنه أنور النوري وزير التربية السابق. لذلك كله كان يكره الغلو في الدين. النوري قدوة مهمة في عالم الوسطية والاعتدال تشتد الحاجة لها اليوم حيث بدأت تنتشر مظاهر التطرف الديني لا سيما بين شريحة الشباب. ومن النصائح الثمينة للنوري وهو يوجه الناشئة “وأحب أن أقول لكم نصيحة: إياكم والجمود.. إياكم والتزمت فما كان دينكم هكذا. وإنما جاء نبيكم بالدين والدنيا وما جاء به هو للحياة ولما بعد الحياة” (1977م، ص 31). قال النوري “الدين عقل، وما خالف العقل خالف الدين، والدين يسر وما خالف اليسر فليس بدين” (النوري، 1973م، القسم الأول من الجزء الثاني، ص 27). الجهاد في الإسلام قتال للدفاع ورد الأذى فهو دفاعي كما يؤكد النوري في كتابه سألوني في التفسير (1986م، ص 196). تربية النوري تنسجم مع فقه التعايش والسلام لا الإقصاء والعداء (النوري، 1986م، سألوني في التفسير). “نحن اليوم في جهاد مع أعداء الإسلام .. جهاد لا قتال فيه، جهاد بالعلم والتعلم، جهاد بالقلم والكلمة” (النوري، 1986م، 163).
عندما لاحظ عبدالله النوري ابن أخيه نادر عبدالعزيز النوري يأخذ خط التدين في شبابه شجعه على التمسك به وحذره من التنطع فيه. كان النوري عالما متدينا من جهة، ووطنيا مخلصا من جهة أخرى وحض ذريته على حماية الوطن في وصيته وهذه تجليات واقعية تستحق التوقف عندها والاستفادة منها. وفي كتابه الأمثال الدارجة يذكر النوري المثل القائل “الوطن أعز من الوالدين” (ص400) ثم يعلق قائلا “يُضرب في الحث على الدفاع عنه متى أعتدي عليه”.
وهكذا تطرق النوري للعديد من القضايا من أبرزها الوطنية التي دندن حولها طوال حياته بل راح يكتبها في وصيته كي تكون نبراسا لذريته وأساسا لتربيته. قال النوري:
أيا ابن الكويت ويا من عليـه |
الكويت تعلـق آمالهـــــا |
ولقد خص العيد الوطني (يوم التحرير) بالذكر وكشف عن أهميته في تعزيز معاني الخير والتعبير عن شكر الله الذي حفظ الوطن وطالب بضرورة تكريم السلف وذكر محاسنهم وتعليم الأطفال حقيقة الوطنية وصولا لحسن الحال وحفظ المستقبل (النوري، سألوني في التفسير، 1986م، ص 268). وعن شهداء الوطن قال “ويجب علينا أن نخلد تاريخهم وأن نعلم لجيل المستقبل في مدارسنا، نعلمه أولادنا ليكونوا قدوة لهذا الجيل الذي هو رصيدنا، رصيد كويتنا، رصيد هذه البقعة العزيزة علينا، رصيد هذا الشعب الذي نتمنى له حسن الحال، وحفظ المستقبل.. إن رصيد الأمة في ناشئته.. في آباء غده وأمهات ومحط آماله في شباب المستقبل” (النوري، سألوني في التفسير، 1986م، ص 268، 269).
إن معالجة قضايا الوطنية بشفافية النوري مهمة اليوم خاصة في محيط الناشئة حيث تشير الدراسات إلى أن الطرح الديني لم يعالج الانتماء الوطني ولم يربطه بالقيم الدينية بصورة سليمة مما قد يبرز أن هناك صراعاً بين القيم الوطنية والقيم الدينية في بعض المجالات وهو أمر مهم يجب معالجته حيث أننا نعيش في الوقت الحالي مع العديد من مظاهر التطرف الديني (اليعقوب وملك 2009م، ص 208) محليا وعالميا.
النتائج
على ضوء معطيات البحث من تراث النوري يصل الباحثان إلى أنه لم تكن شخصية النوري شخصية تربوية عادية بل كان النوري معلما بصيرا من الطراز الأول في صنع دعائم النهضة الثقافية الكويتية. قام الشيخ النوري برفد الحركة الثقافية عبر البحث عن المآثر والأخلاق الفاضلة وبثها في المجتمع والحث على التمسك بها وكان بفكره وجهوده من أبرز المؤسسين للعمل التربوي الكويتي فلم تقتصر جهوده داخل إطار المدرسة بل انطلق في سبل الخير كالريح المرسلة وأدرك بوعيه الحصيف أهمية البناء التربوي فعَمِد إلى كثير من وسائط التنشئة وجعلها معابر حضارية للنهوض المجتمعي. لقد اتخذ من المؤسسات التعليمية المدنية والدينية وسائط تعليمية لتنمية الناشئة والكبار، وتوجه نحو المسجد، واستغل وسائل الإعلام كأدوات فاعلة للتفكير والتذكير، والتعلم والتعليم، والتأثر والتأثير، والإصلاح والتغيير. وكان النوري موفقا في ذلك أيما توفيق ولا زال نبعه فياضا وميراثه مصدر إلهام واحترام.
إن الشخصيات الكادحة في تاريخ التربية والتعليم هي صمامات أمان للمعلمين والمعلمات كلما اجتاحتهم التحديات وحيثما زادت المثبطات. إن الصورة الكبيرة التي رسمها السابقون في الحقل هي حوافز الإنجاز لهذا الجيل وللأجيال القادمة.
توصل الباحثان إلى مجموعة نقاط وهي:
-
أفكار النوري نتاج تجارب حياتية ومخالطة يومية للناس حيث باشر في حل مشاكلهم وتنمية وعيهم وإصلاح شئونهم، فهي بعيدة عن المثالية المفرطة. لقد كرس حياته من أجل العلم والتدريس والدعوة وإعانة الضعفاء ورعاية المحتاجين أينما كانوا.
-
كان الدين بالنسبة للنوري منبع التسامح من غير تساهل. وكان الدين له مجال للاعتداد بالنفس باعتدال، وكان الدين في منظوره حياة طيبة.
-
انتقد النوري الشدة في التعليم وذم هذا المنهج العقيم. كان المعلم قديما قد يصبح -بالنسبة له- ديكتاتورا لا يرد له أمر ولا يخالف له قول ولكن كان يسكب الإخلاص في قلب التلميذ …كان التعليم قديما يتم بأسلوب الإرغام كالطبيب يجبر الطفل على شرب الدواء إذا رفض شربه.
-
العناية بأخلاقيات المعلم حيث يجل النوري رسالة المعلم الإنسانية ويركز على دوره المجتمعي ويولي هذه المسألة أهمية كبرى فالمعلم عنده أساس الإصلاح والبناء وقلب المجتمع النابض بالعطاء. العلم والقيم أساس التربية والتعليم لديه.
-
يعتبر تراث النوري مصدرا من المصادر الرصينة في فهم تطور مسيرة التعليم في دولة الكويت وأطوارها المختلفة وتطوراتها المفصلية. ولا بد للمربين من تناول المصادر الرئيسة بالرصد والتحليل والشرح والاستنباط والنقد البناء وصولا إلى التفاعل الصحيح مع معطيات العصر ومزاوجته بخصوصيات المجتمع.
-
أهم الوسائل التربوية عند النوري هي القدوة والقصة والشعر والأمثلة الشعبية والقراءة والرحلة في طلب العلم.
-
إظهار المحبة بين الزوجين من أساسيات تكوين الأسرة السعيدة وخير مهاد، وأعظم سناد، لتربية الأولاد.
-
يمكن الإفادة المعاصرة من تراث النوري عبر تحفيز المعلمين والمعلمات على مزاولة عملهم بانجاز أكبر فالقدوة الحسنة كلما كانت قريبة من بيئة المجتمع كانت آثارها أعظم في النفس. مواقف ومأثورات النوري مادة ثرية لإعداد المعلمين في عالمنا العربي وإمدادهم بالمعاني الكريمة.
التوصيات
-
إقامة دورات توعوية للمعلمين لاستثمار رؤى النوري في الأخلاق والعمل والتعايش فمن شأن هذه الدورات المتخصصة ترشيد الخطاب التربوي المعاصر وتوجيهه نحو المزيد من الوسطية والفاعلية من أجل التواصل مع قضايا العصر والتفاعل مع تحدياتها .
-
إعلاء شأن الوسطية والاعتدال في فهم الدين وتقديم نماذج من عبارات وقصص وأشعار النوري في خطب المساجد وغيرها.
-
إنشاء مركز تربوي متخصص يعتني بإتمام مسيرة النوري وأمثاله من رواد التربية في جمع التراث الكويتي وعمل موسوعة للألفاظ التربوية التراثية وتقديم برامج ومنتجات تعريفية مبتكرة بالشخصيات التربوية الرائدة. معظم الجهود المبذولة في الميدان اليوم جهود فردية تستحق الثناء ولكنها مع الاحترام الشديد لا تكفي للوفاء بحق التراث التربوي الخليجي الذي يجب أن يُخدم بأسلوب مؤسسي متخصص لحفظ الهوية وحماية البقية الباقية من ذكريات الأمس في عالم التربية رصدا وتحليلا وتجديدا.
-
تكثيف التعريف الإعلامي بالنوري داخل وخارج الكويت فالكويت تمتلك طاقات فكرية فذة تستحق التقدير لما لها من دور مرموق في إثراء الفكر التربوي الكويتي خاصة والإسلامي عامة. يمكن توظيف فكر النوري عبر البرامج الإعلامية وعلى شبكات الإنترنت عبر الاعتناء بالقصص والأمثلة الشعبية التي جمعها وأبدعها وصاغها النوري بأوضح عبارة، وألطف إشارة. ولا شك أن التقنية الحديثة الموجهة بالأفكار الإبداعية والمعطيات الوطنية قادرة على تحويل طائفة من ذلك التراث إلى روائع إعلامية ذات رسائل تربوية هادفة. كل ذلك يمكن تقديمه وفق فلسفة محورية قوامها أن الكويت بلد فكر وعطاء قبل أن يكون بلد نفط ورخاء.
الملحق (1): طائفة من العبارات التربوية المنثورة
الكلمات المضيئة للنوري هي نظرات تربوية نابعة من تجارب حياتية ومواقف واقعية وفهم عميق للمعطيات الدينية ونصوصها وتحكي حركة التعليم في الزمن القديم. لقد صاغ النوري عبارته على هيئة عصارات أدبية لأهل البصائر وفيما يلي جملة منها:
من كتابه سألوني. القسم الأول من الجزء الثاني (العبادات).
“الشرع الإسلامي هو تشريع قائم على أساس متين، مداره خير البشرية واليسر ودفع الحرج” (ص 6).
“والأطفال يختلفون، فبعضهم يفيده النصح دون ضرب وبعضهم يفيده التشجيع على العمل الحسن، وبعضهم لا يفيده إلا الزجر والضرب[4]” ( ص 522).
“يباح للمرأة الحائض إذا كانت معلمة أو متعلمة أن تلمس المصحف وتقرأ الآية في حال الضرورة والتلبس بوظيفة تعليم القرآن وتعلمه ، أما في غير تلك الحالة فلا” (ص 427).
“المسئولية لا تكون إلا بعد التعليم والإنذار والإعلان والتنبيه” (ص 407).
“فالزواج عيشة، والزواج حياة ، والزواج شركة عمر ، والزواج تكوين مجتمع، وهو تكوين أسرة في مجتمع، إنه لبنة لبناء هذا المجتمع الذي يتكون منه الوطن. فإذا كانت اللبنة قوية كان البناء قويا” “والزواج تعاون على مطالب الحياة وعلى الحياة نفسه” (ص 367، 268) .
وعن بناء المدارس من أموال الزكاة فهي تندرج تحت باب في سبيل الله “وسبيل الله هو الجهاد لإعلاء كلمة الله . سواء كان في قتال أعداء الإسلام أو كان عن طريق علم يرفع كلمة الإسلام، أو لإعداد الدعاة إلى الإسلام، والنفقة على المدارس التي تؤسس لإعلاء كلمة الإسلام، ونشر الثقافة الإسلامية، والإنفاق على الطلاب والمعلمين الذين يتعلمون أو يعلمون في أمثال هذه المدارس” (ص 203).
من كتابه سألوني في التفسير.
“والتلميذ يغدو إلى المدرسة ويروح ويدرس، ويكتب، ويذاكر، مستعينا في جميع أعماله بالله ليأخذ بيده يوم الامتحان للنجاح” (ص 24).
وفي سن التمييز إذا بلغ الطفل السابعة من عمره “كان واجبا على الأبوين أن يمتنعا في مثل هذه السن عن نعت ولديهما [الابن أو الابنة] بالغباء أو البلادة أو بالخور والضعف أو بالقبح ، أو أن يقال له: فلان أحسن منك ، أو فلانة أجمل منك. فقد يؤثر هذا الوصف بالطفل ، قد يؤثر على عقله الباطن ، وتبقى العلة فيه كامنة ، فيشعر بالنقص أمام غيره من الأطفال. وهنا – قد يذل ويستوحش. وقد جربنا، فكان لمثل هذه الكلمات آثارها السيئة في نفوس الكثيرين والكثيرات. ذل ، انكماش نفسي ، انعزال عن الآخرين، عقدة، وهي ما تسمى الآن عقدة نفسية. وعلى الأبوين أن يصفا ولدهما ذكرا كان أو أنثى بالذكاء، بالنباهة بالقوة، بحسن التصرف، بالعقل والإدراك ، بالرجولة للابن، وبالجمال واللطف والحصانة للبنت. وهكذا حتى ينشأ الولد، وقد رسخت في عقله الباطن هذه الصفات ولكن بلا غرور، ولا تدليل، ولا إسراف، ولا إعجاب” (ص 136 ).
من كتابه من غريب ما سألوني
“أيها الشباب: ليس الزواج متعة وحسب. إن للزواج ثمرة. ففكر في الثمرة قبل أن تفكر في المتعة” (ج2، ص 32).
“كن إنسانا بمعنى الإنسانية. والإنسانية تأبى الدنايا ، وشر الدنايا النميمة ” (ص 252).
الحرية منحة من الله “في محيط طاعته وضمن مشيئته. يسعد بها من تعلم فعلم وعمل بما علم .. ويعيش بهذه الحرية مطمئنا في حاله..آمنا على مستقبله” (ج2، ص 72).
من كتابه مذكرات عن حياة المرحوم الشيخ أحمد الجابر حاكم الكويت العاشر
“لا تقدم مع الجهل” (1978م، ص 24).
“فمن الماضي ولد الحاضر، ومن الحاضر يولد المستقبل، وإن من الحسن أن نذكر حسنات الماضيين وثمارها، لتكون قدوة للمعاصرين. وأن نذكر مساويهم ونتائجها، لتكون موعظة وذكرى للمتذكرين. ولكن متى كانت المحاسن أكثر فلنتجاوز عن السيئات” (1978م، ص 7).
من كتاب قصة التعليم في الكويت
ميزان “الأمم المعارف، فمن ثقلت موازينها منها فهي في عيشة راضية، ومن خفت موازينها منها فهي في الهاوية … هاوية الفقر والمرض، والبؤس والذلة” (ص12). “العلم ميدان واسع لا ينتهي إلى طرفه أحد، والوطن وأهله لا سعادة لهم إلا بالعلم، والأمم تقدر بمعارفها، وأن تنوير أفكار الناشئة بالمعارف أساس تقوم عليه نهضة الأمة ” (ص38، 39).
من كتاب الرُشـــــد
“واجب الأبوين أن يعدلا بين الأولاد، لأن الله يحب العدل في كل الأمور: واجب عليهما أن يعدلا في العطاء والتعليم، والكساء والإنعام، وفيما كبر أو صغر من شؤونهم، حتى في القبلة؛ لأن إيثار بعضهم على بعض يولد بينهم التحاسد، والتحاسد يجر إلى التباغض، وأعظِمْ بهما من هادمين للبيوت، مشتتين للعوائل، مفرقين بين الإخوان!” (ص67)
“ومن أحسن ما قيل في الولد قول الأحنف بن قيس لمعاوية لما سأله: ما تقول في الولد؟ قال: “يا أمير المؤمنين! ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة، وسماء ظليلة، وبهم نصول على كل جليلة، فإن طلبوا فأعطهم، وإن غضبوا فأرضهم، يمنحوك ودهم، ويحبوك جهدهم، ولا تكن عليهم قفلا ثقيلا، فيملوا حياتك، ويودوا وفاتك، ويكرهوا قربك”(ص71)
“وكثيرا ما تقع بعض الحيوانات في أيدي الأطفال، فيؤذونها، أو أن الوالدين يُلهون أطفالهم بها، وهذا أيضا ظلم للحيوان، وتعود للطفل على القسوة، وإن واجب ولي الطفل أن يعود طفله على الرحمة، ليكون ممن يرحمهم الرحمن” (ص377).
“الظلم قاتل للنفسيات، مميت لحريات الأفكار، داعٍ لعدم الإحسان في الأعمال، وسيلة لانتشار الرشوة والمحسوبية والخوف في البلاد، سبب لظهور الشفاعة بالباطل”.
من كتاب سألوني في العبادات والعقيدة
“والإنسان العاقل يفكر في مستقبله، قبل تفكيره في يومه، وهو وعقله فكلما كان العقل كبيرا مدركا كان التفكير أبعد ” (ص58)
“والكلمة الطيبة (أي كلمة) يتلفظ بها الإنسان، فإذا صادفت أذنا واعية، وقلبا حافظا، وعقلا ذاكرا، ومشاعر مستجيبة، متجاوبة مع النافع، أثمرت وأعطت أكلا مباركا طيبا وثمرا نافعا مفيدا” (ص91).
من كتاب خالدون في تاريخ الكويت
كانت حياة فرحان الخالد مليئة بجلائل الأعمال بالرجولة والشهامة والكرم .. كانت حياته صفحة منيرة في سجل رجال الكويت البارزين .. الذين يستمد منها النشء معاني الخير وحب الإصلاح وخدمة المجتمع” (ص56). “وهناك أشخاص يولدون ليؤثروا ويصنعوا ويثروا أوطانهم سواء بمال أو فكر أو علم أو إصلاح .. وهؤلاء هم صناع الحياة وقادتها .. ربما تنتهي أعمالهم بوفاتهم .. وربما تستمر من بعدهم .. ولكن المؤكد أن التاريخ لا يغمطهم حقهم وتظل أوطانهم وفيه لهم .. تذكرهم بالخير وبالتقدير” (ص53). “
“رجع محمود [شوقي الأيوبي] إلى الكويت في أول سنة 1343هـ وعين مدرسا في المباركية، ووجد فيه تلامذته ضالتهم .. فكان محبوبا لأنه كان مخلصا في تدريسه .. مقدارا للذكي النابه من طلابه .. يبذل في سبيل تفهم التلميذ قصارى جهده، ولا يترك الصف حتى يتيقن من أن جميع تلاميذه قد فهموا الدرس. وكان في تدريسه يمزج بين الجد والنكتة ليخفف عن تلامذته من جهد الجد والإصغاء” (ص64). “فللشعراء شطحات ولهم تصرفات قد نراها نحن غريبة علينا ولكنها بالنسبة لهم شيء طبيعي .. أو هو ما يسمونه عملية المعاناة قبل المخاض، وأقصد مخاض الشعر إذا صح التعبير .. فهم يتأثرون بالأشياء أكثر .. ويرونها بصورة غير التي نراها نحن بها .. ويضيف خيالهم إلى الواقع أشياء لا تخطر في بالنا” (ص62).
“وكانت الخزعبلات والخرافات قد تسللت إلى الدين بأساليب كثيرة. منها ما زرعه الاستعمار وبعض المستشرقين للتهوين من شأن الإسلام منها ما كان نتيجة جهل الناس بأمور دينهم ومنها ما هو نتيجة سوء فهم المتزمتين” (ص88)
“وكلمة الملا تعني من قرأ وكتب . وتعني أيضا من كان عمله تعليم الصغار القراءة والكتابة” (ص95).
من كتابه المــنبر
“والحق أقول إنه لم يتخلف المسلمون عن ركب الحضارة العالمية إلا يوم تركوا دينهم وتجاهلوه وسمحوا للحضارات الأجنبية عنهم أن تدخل ديارهم ودورهم وللدسائس الغربية أن تحتل أذهانهم وعقولهم” (ص75). “إن الدين الإسلامي لم يحرم علينا زينة الدنيا وملاذها ومتعها، وإنما حرم علينا الانغماس في شهواتها، وحرم علينا ما يشغلنا عن الواجب وعن الحق، وحرم علينا ما يفسد أجسادنا عن القيام بما فرض علينا” (ص85).
“فلم لا تكون مساجدنا مدارس يشترك فيها الشيوخ والشباب، والعلم فيها بلا ثمن، والإرشاد فيها للجميع ما دام الناس فيها سواسية كأسنان المشط، لأن المساجد بيوت الله والناس كلهم عبيد الله لا فضل لكبير على صغير ولا للون على لون ولا لشريف على سوقة إلا بالتقوى” (ص321).
من كتاب سألوني عن المرأة
“إن قوامة الرجل معناها المسؤولية، لاسيما وأنه مكلف بالإنفاق والحماية فهو قوام بهما .. لا كما يفهمها الجاهلون قوامة سلطة واستبداد، وديكتاتورية ، وإهانة وعجرفة” (ص30). “أقول: إن المرأة قلب المجتمع النابض .. والرجل عقله المدبر، ولا تستقيم حياة بلا قلب ينبض .. وبدون عقل يرشد، كلاهما لابد منه للسير بالحياة إلى غايتها” (ص33). “الإسلام قال لنا: إن المرأة:
1 – منجبة الأجيال، وصانعة المجتمع .. فهي المنبت والمرعى والمروى .. وهي بعد ذلك كله: المغدى والمراح
2 – المرأة المثقفة بانية الأسرة تحيي في زوجها الأمل، توقد جذوة الشجاعة .. وتقوي فيه الهمة على العمل.
إنها سكن المجتمع ومأواه ومنقلبه.
4 – إنها القاعدة والأساس الذي تقوم عليه لبنات المجتمع، وكل بناء لا قاعدة له بناء منهار.
5 – إنها النعمة العظمى مت كانت صالحة، وليس أعظم نعمة منها على الرجل الصالح” (ص49)
“ضرب الأطفال، وخصوصا اليتامى ينقسم إلى قسمين: فإما ظلم أو تأديب. والله سبحانه وتعالى حرم الظلم. وأمر بالتأديب. وأنت على نيتك، إن كنت تضربين اليتيم للتأديب فليس عليك شيء، وإنما لك بذلك ثواب. وضرب التأديب ليس فيه قسوة، وإن كنت تضربينهم اعتداء وظلما فأنت ظالمة، والله حرم الظلم ونهى عنه” (ص128)
“والدين الإسلامي لم يفرق بالتكليف ولا بالعمل بين ذكر وأنثى، مكلف، والكل مسؤول، والكل مطالب بالمعرفة والتحصيل والتعلم، لا فرق بين إنسان وإنسانة” (ص247). “إن الله لم يُضل ذكرا على أنثى، ولا فضل أنثى على ذكر، ونبي الإسلام قال في الحديث الشريف: “إنما النساء شقائق الرجال” (ص286). “الزواج شركة حياة .. أحد الشريكين فيها الزوجة، والزوجة ستكون غدا أما لأولاد الزوج والمربية لهم، فإن كانت الزوجة ذليلة ذلوا .. وإن كانت عزيزة عزوا .. والذليلة لا تستطيع أن تربي ابنها على العز والكرامة، لأنها ذليلة. والإسلام نهانا عن إهانة الزوجة .. بل أمرنا أن ننصحها أولا، ثم نهجرها في المبيت ثانيا .. والنصيحة توجيه بتكريم، والهجران في المبيت لا يعلم أمره إلا الله ، “والله عز وجل حثنا على إكرام الزوجة .. ففي البداية بنى عقد الزواج على ما في كتاب الله وسنة رسوله، إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، وليس في المعروف إهانة، أو ضرب ولا إذلال. وفي زمن قيام الزوجية أمرنا أن نعاشرهن بالمعروف، والمعروف كما نعرفه إحسان بلا إذلال، وتفاهم بلا غطرسة، ولا ضرب .. ولا غلظة، ولا قسوة” (ص337، 338).
المراجع العربية
ابن الجوزي، عبدالرحمن (1424هـ-2003م). صيد الخاطر. تحقيق حامد أحمد الطاهر. القاهرة: دار الفجر للتراث.
ابن الجوزي، عبدالرحمن (2007م). صيد الخاطر. ضبط وتحقيق محمد الغزالي. ط1، القاهرة: نهضة مصر.
ابن عبدالبر القرطبي، يوسف (2000م). الاستذكار. بيروت : دار الكتب العلمية.
أبو العزم، عبدالغني (بدون تاريخ). الغني. في المعاجم: موقع عجيب: http://lexicons.sakhr.com
الأرناؤوط، محمود (1422هـ-2001م). أعلام التراث في العصر الحديث. ط1، الكويت: مكتبة دار العروبة.
بركات، حليم (2009م). المجتمع العربي المعاصر: بحث في تغير الأحوال والعلاقات. ط2، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
تلفزيون الكويت (بدون تاريخ). أعلام كويتية في الثقافة والأدب: عبدالله النوري. برنامج تلفزيوني. الكويت.
تلفزيون الكويت (بدون تاريخ).صفحات من تاريخ الكويت: لقاء مع الشيخ عبدالله النوري. المذيع رضا الفيلي، إعداد: سيف مرزوق الشملان و رضا الفيلي برنامج تلفزيوني. الكويت.
الجعفري، ماهر إسماعيل (2010م). الفكر التربوي الإسلامي في أصول التربية. الأردن: دار اليازوري العلمية.
الجوهري، محمد (2007م). تقديم. في الاستبعاد الاجتماعي: محاولة للفهم. تحرير جون هيلز وجوليان لوغران ودافيد بياشو . ترجمة وتقديم أ.د. محمد الجوهري. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
حجازي، مصطفى (2007م). التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور. ط10، بيروت: المركز الثقافي العربي.
حميداتو، مصطفى محمد (2003 م). عبد الحميد بن باديس وجهوده التربوية. سلسلة كتب الأمة القطرية (عدد رقم 57، سنة 1418 هـ، السنة السابعة عشر). موقع إسلام وب: http://www.islamweb.net
الخرافي، عبدالمحسن (1998 م). مربون من بلدي. ط1. الكويت.
الديحاني، سعود (2009م). حديث الذكريات. في جريدة الراي. العدد 10966-.A0
راسل، برتراند (2008م). أثر العلم في المجتمع. ترجمة صباح صديق الدملوجي. مراجعة: حيدر حاج إسماعيل. بيروت: المنظمة العربية للترجمة.
الرشيد، أنس محمد ، والشنوفي ، محمد المنصف (1429هـ-2008م). رائد الصحافة الكويتية الشيخ عبدالعزيز رشيد (1887-1938م) ومجلة الكويت (1928-1930م). حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية ، الحولية 28 الرسالة 277: جامعة الكويت.
الرشيد، عبدالعزيز (1983 م). فقيد الكويت الشيخ عبدالله الخلف الدحيان. في سير وتراجم خليجية في المجلات الكويتية. تأليف خالد سعود الزيد، ط1، الكويت: شركة الربيعان.
الرشيد، يعقوب عبدالعزيز الرشيد (2006م). أمتع وأوجع الذكريات. ط1، الكويت: شركة دار الفكر الحديث.
رضا، محمد رشيد بن علي (بدون تاريخ). مجلة المنار. المكتبة الشاملة: http://www.shamela.ws
الرومي، عدنان بن سالم بن علي (1420 هـ – 1999 م). علماء الكويت وأعلامها خلال ثلاثة قرون. ط 1, الكويت: مكتبة المنار الإسلامية.
الزحيلي، محمد (1430هـ-2009م). موسوعة قضايا إسلامية معاصرة. ط1، دمشق: دار المكتبي.
زيجلار، زيج (2008م). أراك على القمة. ط4، الرياض: مكتبة جرير.
السجاري، مشاري عبدالله (1398هـ-1978م). الشعر الحديث في الكويت إلى سنة 1950م. ط1، الكويت: وكالة المطبوعات.
السعيدان, حمد محمد (1993م). الموسوعة الكويتية المختصرة. ط3، الكويت: مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.
الشرباصي، أحمد (1373 هـ – 1953 م). أيام الكويت. مصر: دار الكتاب العربي.
الشطي، سليمان (2007م). الشعر في الكويت. الكويت: مكتبة العروبة.
شو، ساندرا (1430هـ- 2009م). الدكتورة ماري في جزيرة العرب: مذكرات برونز أليسون. ترجمة إيمان عبدالرحمن الكرود. ط1، الكويت: مركز البحوث والدراسات الكويتية.
ص86).
الصمادي، محمود مصطفى (1431هـ-2010). معالم أصول الفقه في التربية الإسلامية ومؤسساتها الإعلامية. ط1، دمشق: دار المكتبي.
طعمة، خالد (1429هـ-2008م). تاريخ القانون في الكويت. ط1، الكويت.
عابد، رسمي علي ، ومطيع، عبدالطيف (1429هـ-2009م). الدراسات التربوية: دراسات في المدارس التربوية الحديثة وأبرز مفكريها. ط1، الإمارات العربية المتحدة: مكتبة الفلاح.
عبدالفتاح، علي (1417هـ-1996م). أعلام الشعر في الكويت. ط1، الكويت: مكتبة ابن قتيبة.
العبدالمغني, عادل محمد (1999م). شخصيات كويتية. الكويت.
العبدة، محمد (1427هـ-2006م). مالك بن نبي: مفكر اجتماعي ورائد إصلاحي. ط1، دمشق: دار القلم.
العجمي، مرسل فالح (2009م). الفن القصصي في الكويت. ط1، الكويت: دار الحروف.
العجمي، ناصر (1415هـ – 1994 م). علامة الكويت: الشيخ عبدالله الخلف الدحيان. الكويت: مركز البحوث والدراسات الكويتية.
عطوي، ثناء (1430هـ-2009م). “بلد يقرأ بلد يعيش”: بيروت عاصمة عالمية للثقافة والنشر والكتاب. في مجلة العربي، العدد: 608. الكويت: وزارة الإعلام.
العقيل، عبدالله (1422هـ = 2001م). من أعلام الحركة والدعوة الإسلامية المعاصرة. ط1، الكويت: مكتبة المنار الإسلامية.
العلي، أحمد عبدالله وآخرون (1998 م). قاموس تراجم الشخصيات الكويتية في قرنين ونصف.
العلي، أحمد عبدالله وآخرون (2002 م). معجم شعراء الكويت. ط1، الكويت: ذات السلاسل.
علي، سعيد إسماعيل (2009م). التجديد والإصلاح في الفكر التربوي الإسلامي. في مؤتمر “اتجاهات التجديد والإصلاح في الفكر الإسلامي الحديث”. مكتبة الإسكندرية-19-21 يناير 2009م.
العيسى، فاطمة حسين (2008م). الشيخ يوسف بن عيسى القناعي: موقفه من الديمقراطية وتعليم المرأة. في رواد الحركة الثقافية في الكويت. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
الغزالي, محمد (1422هـ- 2002م). قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة. ط7, القاهرة: دار الشروق.
الغزالي، محمد (1426هـ-2005م). إحياء علوم الدين. ط1، بيروت: مؤسسة الريان.
الفرحان, فرحان عبدالله أحمد (1988م). عبدالله النوري: 1905- 1981. في خالدون في تاريخ الكويت. تأليف الشيخ عبدالله النوري. الكويت. ط1، الكويت: مكتبة ذات السلاسل.
القضماني, محمد ياسر (1423هـ = 2002م). محمد فوزي فيض الله: العلامة الفقيه المربي. ط1, دمشق: دار القلم.
كانفيلد، جاك (2008م). مبادئ النجاح. ط2. لرياض مكتبة جرير.
الكبيسي، عبدالله جمعة ، العماري، بدرية مبارك ، وقمبر، محمود مصطفى (1422هـ – 2001م). المكانة الاجتماعية للمعلم. إشراف محمود قمبر. ط1، الدوحة: دار الثقافة.
الكندري، لطيفة (1426 هـ = 2005 م) الطُّفُولَةُ المُبَكِّرة فِي دَوْلَة الْكُوَيْت. الطبعة الأولى. الكويت: المركز شبه الإقليمي للطفولة والأمومة.
الكندري، لطيفة حسين (2006م). تحرير المرأة في فكر القناعي. في كتاب الكويت الثالث، الكويت: وزارة الإعلام.
الكندري، يعقوب يوسف (2010 م). التغير والحداثة (الأسرة الكويتية أنموذجا). الإسكندرية: المؤسسة العربية للاستشارات العلمية وتنمية الموارد البشرية.
اللجمـي ، أديب وآخرون (بدون تاريخ). المحيط. موقع عجيب : المعاجم: http://lexicons.sakhr.com
ماهروزاده، طيبة (1422هـ-2001م). فلسفة كانت التربوية. ط1، بيروت: دار الهادي.
مجلة الوعي الإسلامي (2008م). أعلام الديرة: عبدالملك المبيض … فارس التربية والتعليم. موقع مجلة الوعي الإسلامي – العدد رقم: 519 ، 27-11-2008م. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – دولة الكويت: http://alwaei.com
محسنون من بلدي (1422هـ-2001م). ط2، الكويت: بيت الزكاة.
محمد بن إبراهيم (200م) . ابن خلدون وفكره التربوي. موقع جامعة الملك سعود (تاريخ دخول الموقع 1-8-2009م): http://www.ksu.edu.sa
محمد، أحمد عبدالعال (2009م). الشيخ محمد أبو زهرة وفكره التربوي. تقديم: أد. مصطفى رجب. مصر: دار العلم والإيمان.
محمد، عبدالعزيز عطية (1430هـ-2009م). المنهج التربوي الإسلامي في مواجهة معتقدي الخرافات والأوهام حول السحر ومسئولية المؤسسات التربوية في ذلك. في مجلة التربية: العدد 139، الجزء الثالث، إبريل. مصر: جامعة الأزهر، كلية التربية.
ملك، بدر (2006م). (يوسف القناعي … مدرسة بذاته) شخصية المعلم ورؤاه من منظور الشيخ يوسف القناعي: الإطار النظري والنشاط الميداني. في كتاب الكويت الثالث، الكويت: وزارة الإعلام.
ملك، بدر محمد ، والكندري ، لطيفة حسين (1426هـ-2009م). الفكر التربوي عند معلم الكويت الأول الشيخ يوسف القناعي. الكويت: المجلة التربوية: العدد 76 ، المجلد 19.
مليجي، عبدالفتاح (1974 م). رجال وتاريخ.
المنصور، عبدالعزيز محمد (1405هـ-1985م). في عبدالله النوري، من غريب ما سألوني. الكويت: منشورات ذات السلاسل.
المهدي، صلاح طه (2007م). البحث العلمي التربوي بين دلالات الخبراء وممارسات الباحثين. الإسكندرية : دار الجامعة الجديدة.
الموسوعة العربية (2005م). العراق. ط1، دمشق: رئاسة الجمهورية.
الميداني، عبدالرحمن حسن (1429هـ-2008م). الأخلاق الإسلامية وأسسها. ط7، دمشق: دار القلم.
النوري وآخرون (2008م). الشيخ عبدالله النوري حياته ومؤلفاته. ط2، الكويت: جمعية الشيخ عبدالله النوري الخيرية.
النوري، عبدالله (1393هـ-1973م). سألوني. القسم الأول من الجزء الثاني (العبادات). بيروت: دار العربية.
النوري، عبدالله (1405هـ-1985م). من غريب ما سألوني. الكويت: منشورات ذات السلاسل.
النوري، عبدالله (1406هـ-1986م). سألوني عن المرأة. الكويت: منشورات ذات السلاسل.
النوري، عبدالله (1406هـ-1986م). سألوني في التفسير. الكويت: منشورات ذات السلاسل. الخليفي، ناصر عبدالرحمن (1423هـ-2002م). قصص رائعة من كويت الماضي. ط1، الكويت: مكتبة ابن كثير.
النوري، عبدالله (1406هـ-1986م). سألوني في العبادات والعقيدة. ط1، الكويت: منشورات ذات السلاسل.
النوري، عبدالله (1978م). مذكرات عن حياة المرحوم الشيخ أحمد الجابر حاكم الكويت العاشر. ط1. الكويت: منشورات ذات السلاسل.
النوري، عبدالله (1981 م). الأمثال الدارجة في الكويت. الكويت: منشورات دار السلاسل.
النوري، عبدالله (بدون تاريخ). قصة التعليم في الكويت في نصف قرن. الكويت: منشورات ذات السلاسل.
النوري، عبدالله (بدون تاريخ). من الكويت.
النوري، عبدالله بن محمد (1428هـ – 2007م). المنبر: مجموعة خطب جمعية.ط1، الكويت: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية.
النوري، عبدالله محمد (1405هـ 1985م). حكايات من الكويت. الكويت: منشورات ذات السلاسل.
النوري، عبدالله محمد (1429هـ – 2009م). الرشد. اعتنى به نور الدين بن عبدالسلام مسعي. ط1، الكويت: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية.
النوري، عبدالله محمد (1975م). إلى رحاب الرضوان في جنات النعيم. مجلة مرآة الأمة. الكويت.
النوري، عبدالله محمد (1977). يوميات زائر للشرق الأقصى أو 35 يوما في الشرق الأقصى.
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1423هـ-2002م). مجموعة الفتاوى الشرعية الصادرة عن قطاع الإفتاء والبحوث الشرعية. ط2، الكويت: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
وطفة ، علي أسعد ( 2002م ) . اتجاهات التقليد والحداثة في العقلية العربية الســائدة – دراســة في المضامين الخرافيـة للتفكير لدى عينــة من المجتمــع الكويتي. المجلة التربوية. العدد ( 65 ) ص ص 129-179.. جامعة الكويت ، الكويت .
وطفة، علي أسعد (2007م). الجمود والتجديد في التربية العربية: مكاشفات نقدية ، وزارة الثقافة السورية ، دمشق.
اليعقوب ، علي ، وملك، بدر (1430هـ-2009م). “دراسة تحليلية” حول مدى اهتمام كتب وأهداف الصف الخامس الابتدائي بتنمية قيم المواطنة الوجدانية في مواد اللغة العربية والتربية الإسلامية واللغة الإنجليزية بدولة الكويت. مجلة علم النفس المعاصر والعلوم الإنسانية. كلية الآداب: جامعة المنيا. يوليو 2009م، المجلد العشرون.
المراجع الأجنبية
Bashkin, O (2007). “When mu’awiya entered the curriculum”- some comments on the Iraqi education system in the interwar period. In Islam and education: Myths and truths.Chicago: theUniversity ofChicago press.
Elkin, S (2008) Encouraging Reading.London: Continuum International Publishing Group.
Murphy, Julia (2007). 100 ideas for Teaching History.London: Continuum.
Ziglar, Z (2002). Go for the top.USA: Magna publication.
[1] وفي نسخة تغفيل انظر ابن الجوزي صيد الخاطر بتحقيق محمد الغزالي (2007م، ص 32).
[2] الفَالِجُ : شلل يحدثُ في أحد شِقَّي البدن فيُبطِلُ إحساسَه وحركته؛ أصابه فالجٌ فصار قعيدَ منزله. ويقولون أُصِيبَ بِدَاءِ الْفَالِجِ (اللجمـي وآخرون، بدون تاريخ، أبو العزم، بدون تاريخ).