“ديوان سامية”
تألق وتجديد في مفهوم العمل التطوعي
أ.د. بدر محمد ملك
إذا أردنا أن نعرف قيمة مجتمع من المجتمعات في الميزان الحضاري فعلينا أن نتأمل في القيم الإنسانية ودرجة الوعي بها ومدى الاقتراب منها ثقافة وتطبيقا وخاصة في نمط التعامل مع جميع طبقات المجتمع. وحينئذ علينا أن لا ننخدع أبدا بالمباني الضخمة ولا نغتر أيضا بالشعارات المضللة.
قبل أسبوع زار الكويت صديق كريم هو د. حجازي ادريس: الاخصائي الاقليمي للتربية الاساسية وتعليم الكبار في مكتب اليونسكو الاقليمي للتربية في الدول العربية. إنه يعمل جاهدا لنشر ثقافة العمل التطوعي ولديه مشاريع عديدة في هذا المضمار الحضاري.
من هنا اقترح علينا الصديق العزيز أ.د. على محمد اليعقوب أن نذهب بالضيف إلى “ديوان سامية” وجلسنا في ذلكم الديوان العامر قرابة ثلاث ساعات هي فعلا من أنفع ساعات العمر. إنه ديوان متميز بكل ما تحمل كلمة التميز من دلالات عميقة في الفكر والآليات والرسالة والغايات والمشاعر. يسعى القائمون في ديوان سامية “على إزالة الحواجز لخلق مجتمع شامل في متناول الجميع….وتقديم أفضل الحلول لتحسين جميع نواحي الحياة للأفراد ذوي الإعاقة…من خلال برامج معتمدة دوليا”.
شاهدنا – مع ضيفنا د. حجازي – شبابنا الكويتي من ذوي الإعاقة وهم يتحدثون عن تجاربهم الناجحة في الدراسة والتجارة والحياة المجتمعية وتنعمت أسماعنا بسماع تلاوة طيبة من آيات الذكر الحكيم. وقبل ذلك استمتعنا بلقاء ثري بعنوان “طموحي أن تصبح شركتي رائدة في السوق الكويتي” مع الشاب ثنيان مناع الهاجري. ولم تكن مداخلات الحضور في اللقاء إلا نورا على نور وكذلك كانت الحوارات الجانبية بعد انتهاء اللقاء.
يقول ضيفنا الدكتور حجازي هذا الديوان يمثل تجربة رائعة في منطقتنا العربية وهذا الديوان الابتكاري تجربة جديرة بالرعاية وتستحق فعلا الاشادة.
عندما دخلتُ ديوان سامية شعرت منذ الوهلة الأولى بثراء التجارب الكويتية في العمل التطوعي وأُعجبت بهؤلاء الفتية وهم يستمعون للأستاذة كفاية العلبان ويتفاعلون معها بحماس وفكر مستنير وقلوب طيبة صافية وأرواح طموحة. في هذا الديوان يحصل الشباب على زاد مبارك أساسه فكر مستنير يوسع مداركهم ويزيدهم قوة في الاندماج مع المجتمع بكل شرائحه على نحو سليم.
ديوان سامية مشروع إنساني له أهدافه السامية وثماره الدانية وهو ملتقى أسبوعي للشباب من ذوي الاعاقة للتعبير عن امكانياتهم وقدراتهم وثمار مسيرتهم. وسر اختيار اسم سامية هو تخليد ذكرى الأستاذة سامية محمد الضبيب رحمها الله . هذا هو صنيع الأستاذة الفاضلة كفاية العلبانمؤسسة الديوان في لفتة وفاء رائعة لتخليد ذكرى صاحبتها “سامية” بعدما زايل جسدها الوجود وفارقت أنفاسها الطاهرة هذه الدنيا العابرة … ولكن بقيت بسناها حاضرة في القلوب نتعلم منها معالي الأخلاق، ونهتدي بها في فتح جميل الآفاق.
As is embedded with all these qualitative properties cheap cialis http://cute-n-tiny.com/category/cute-animals/page/49/ has become possible with some evaluation points.
تعلمت من ديوان سامية أن بث الوعي بحقوق أولادنا وبناتنا من ذوي الإعاقة من طبيعة الحياة الديمقراطية التي تحتم علينا توفير حياة كريمة لهؤلاء فهم من أبرز مكونات المجتمع. عجبا لغيرنا في بلاد الغرب بنوا جامعات خاصة تقدم برامج الدكتوراه لذوي الاحتياجات الخاصة عبر التكنولوجيا الحديثة وفلسفة انسانية رفيعة ونحن نتشدق بالعناية بذوي الإعاقة والطالب لدينا يعاني بشدة من أجل الحصول على نسخة من الكتاب المقرر عليه. إن الدمج الاجتماعي خطوة أساسية لتوعية المجتمع باحتياجات هؤلاء الأعزاء لا سيما في بلد يسعى لاستيعاب الحياة الديمقراطية وتطبيق مستلزماتها.
غني عن البيان أن الخبر ليس كالمعاينة وما تسمعه وتقرأه أقل درجة من الأمور التي تعايشها. في ديوان سامية تتجلى هذه المعاني وإنها لتجربة شخصية ثرية أن تكون في زمرة تلك الصحبة الطيبة. هذه المشاريع في أشد الحاجة للتشجيع والدعم وتطوير التجربة لتشمل شرائح أكبر من المعاقين وغير المعاقين فرسالتنا واحدة وسفينتا واحدة. إنها سفينة التراحم والتلاحم. قال النبي صلى الله عليه وسلّم «تجد المسلمين في توادِّهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو اشتكى له جميع الجسد بالسهر والحمى».
لا قيمة للحياة إذا لم نبذل جهدنا في تطبيق مكارم الأخلاق بأن يعين بعضنا بعضا في عمل الخيرات واجتناب المكاره. إن المسئولية الاجتماعية عظيمة في تحقيق حياة كريمة للجميع.
في تلك الأمسية الثقافية الجميلة استمعت إلى الدرس الرائع للأستاذة كفاية العلبان عن التفاهم كقيمة ضرورية وحضارية في حياتنا وحينها أدركت الهدف النبيل والعميق لديوان سامية التابع لبوابة التدريب العالمية التي تأسست في 2009م كمؤسسة غير ربحية. تحتوي هذه المؤسسة في طياتها على رؤية انسانية راقية ومضامين وضَّاءة تجعل رسالتها التنموية موفقة ومؤثرة إلى أبعد الحدود. إن أنشطتها اضافة حقيقية للعمل التربوي والتعليمي في مسيرة دولتنا .
لقد عدت في تلك الأمسية إلى البيت وأخذت أقلب الأوراق التي أهدتنا اياها الأستاذة المربية كفاية العلبان وإذا بي أشاهد صورة إبراهيم غازي الخالدي رحمه الله. وافته المنية في شبابه وكان عضوا لفريق عمل بوابة التدريب العالمية. لقد قمت بتدريس هذا الشاب رحمه الله تعالى وكان مثالا للخلق الرفيع والروح الطموحة…حدثني عن سفراته وطموحاته وذلك في آخر لقاء زارني فيه في مكتبي بعد تخرجه بعام… رحمه الله. إن ابراز وتخليد ذكرى هؤلاء الأحباب من المهام الوطنية الأكيدة والواجبات الإنسانية المجيدة.
لقد أكرمني الله بتدريس عدد من الطلبة من ذوي الإعاقة وللأمانة كنت في بداية المشوار أخشى عليهم من تجربة الدمج التعليمي وما هي إلا بضعة أشهر حتى رأيت وعاينت بنفسي بركة هؤلاء الشباب وروعة بذلهم وجدهم واليوم أتعلم منهم أكثر وأكثر وكذلك سائر الطلبة يتعلمون منهم فهؤلاء يمثلون طيفا مهما في هويتنا ومجتمعنا وحركتنا التنموية. كتبتُ عدة مقالات في صحيفة أمريكية (السَّنتر ديلي تايم) عن تراثنا التربوي فتحدثت فيه عن الإسلام وعظمته في رفع شأن الكفيف ليقود ويساهم في مجالات الحياة.
Malek, B. M. (2001). Islam lets the blind lead the way. In Centre Daily Times. Saturday, May 12, 2001.
ديوان سامية حركة تجديدية وتطويرية للمقاصد الإسلامية الكبرى من جهة وللمعاني النبيلة لمضمون وشكل الديوانية بمفهومها الكويتي من جهة أخرى. إن مساندة هذه الابداعات التطوعية وغيرها من أعظم وسائل الجهاد التربوي والاجتماعي وبهذه الأفكار العظيمة نرفع راية العطاء الإنساني ونخلد اسهاماتنا الوطنية ونكسب مستقبلا زاهرا ومجتمعا متماسكا متكافلا.
تحية تقدير واجلال واعجاب بجهود جميع القائمين على مشروع “ديوان سامية” أنتم فخر للبلاد، ورحمة للعباد، ومدرسة واسعة لمعالي الأخلاق، وسمو الأرواح، ورقة القلوب. اسأل الله سبحانه أن يزيدكم من فضله ويبارك في فكركم وجهودكم التطوعية الكريمة ويجعلكم فتحا مجيدا للعمل التطوعي في كل مكان وزمان.