الكندري، لطيفة حسين – بدر محمد ملك (1432هـ-2011م). سلسلة تربية الأبناء السادسة: اختيار الأصدقاء. ط1، إدارة الصناديق الوقفية، الصندوق الوقفي للتنمية العلمية والاجتماعية. الكويت.

 

 

سلسلة تربية الأبناء السادسة: اختيار الأصدقاء

أ. د. لطيفة حسين الكندري

أ.د. بدر محمد ملك

 

المُقَدِّمَةُ

يستحوذ موضوع الصديق والمخالطة الاجتماعية على مساحات واسعة من حياة معظم الناس منذ صغرهم حتى هرمهم وهو موضوع لا سبيل للتهاون به، أو التقليل من شأنه. لا ريب أن الأصدقاء مصدر هام من مصادر النماء لنا إذا كانوا من الفضلاء، وجماعة الرفاق – في ذات الوقت- مصدر شقاء إذا كان الأصحاب من أهل السوء. وعليه، فإن اصطفاء الأصدقاء، وانتقاء الزملاء في غاية الأهمية ولا بد أن يتم هذا الأمر النبيل على بصيرة، ووفق مُحددات منهجية واضحة، لا رغبات مزاجية غامضة. قَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: “مِنْ خَيْرِ الاخْتِيَارِ صُحْبَةُ الأَخْيَارِ، وَمِنْ شَرِّ الاخْتِيَارِ صُحْبَةُ الأَشْرَارِ”.

تهدف هذه الرسالة إلى تبصير المربين بأهمية تنمية الناشئة على توثيق العلاقات الإنسانية، وتوليد رغبة قوية وإرادة صادقة تجاه تكوين الصداقات النافعة، ومعرفة آدابها، ومحاذيرها، وفضلها، ووظائفها علاوة على التعريف بطرائق توطيد العلاقة بالآخرين، والوفاء بحقوقهم لا سيما ساعة الضيق. إن الاتصالات الحديثة والمواصلات المتطورة قرَّبت العلاقات بين البشر وأوجدت طرقا للتعارف والتواصل لم تكن معروفة من قبل ابتداء من المكالمات التلفونية ومرورا بأندية ومنتديات التعارف والخدمات اليومية، وانتهاء بشبكات الانترنت الثقافية مما يثير قلق المربين قاطبة رغم المنافع العميمة لها. إن التقنية الحديثة تحمل في طياتها قيما وأخلاقيات جديدة تصبغ العالم كله بشبكة هائلة من الاتصالات والعلاقات والصداقات والمهارات التي تحدد الشخصية بالتدريج.

من القواعد النافعة في التربية أن الفرد يتأثر بجماعة الأقران وأصل هذه القاعدة بالنسبة للمسلم أن الدين الإسلامي حث على صحبة الصالحين فالمرء على دين صاحبه كما ورد في مسند الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ”. يعني أن الإنسان على دين خليله أي على عادة صاحبه وطريقته وأخلاقه، ولذلك فليحذر في اختيار أصحابه ولينظر أي يتأمل ويتدبر مَن يُصاحب مِن أهل الفضل. وعند أبي داود في سننه باب الأدب عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنًا وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيٌّ”. قال علماؤنا ” فإن المؤاكلة أوكد أسباب الألفة، وأحكم دواعي الخلطة، وأوثق عرى المداخلة، والاستئناس”.

وكذلك التجارب الاجتماعية والدراسات النفسية والمصادر الأدبية تثبت صدق تلك القاعدة إلى حد كبير. ولقد أصّل أبو حامد الغزالي هذه القاعدة التربوية الاجتماعية العظيمة بقوله “وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء”. ويرى أن الطباع مجبولة على التشبه والإقتداء بالآخرين وأن الطبع يسرق من الطبع من حيث لا يشعر صاحبه. وهي ليست قاعدة حتمية ولكن في العادة الغالبة يتأثر الفرد بأصحابه سلباً وإيجاباً.

الصداقة كلمة واسعة الانتشار في التراث الإنساني القديم والمعاصر، ولكنها تحتاج إلى المزيد من البحث والتحري عند المتخصصين نظرا لتشعب مواضيعها وخطورة آثارها. تشير كلمة الصداقة إلى دلالات كثيرة منها أنها علاقة متبادلة وحقوق مشتركة بين شخصين ويدعم كل واحد منها الآخر وبينهما تقارب في مجموعة من الأهداف أو الهوايات (Oxford dictionary of sociology, 2005, P. 232) ولا شك أن الصداقة تؤثر في ميادين كثيرة فلقد أشارت الأبحاث إلى أن التحصيل الدراسي له صلة بتكوين الصداقات الإيجابية حيث تساهم في احترام الوقت وتقليل معدلات الغياب (ياجر، 2008م، ص 208).

تسعى هذه الرسالة الميسرة الجامعة لمعان شتى إلى أن تقدم – بعون الله تعالى- لمحات فكرية عابرة عسى أن تكون منارات تربوية في عالم العلاقات والصداقات؛ توضح أسس انتقاء الأصدقاء، وتُذِّكر ببعض قبسات الصداقة، وتنبه على مجموعة من آفاتها، وتدل إلى طائفة من آفاقها.

 

10 طرق لاختيار الأصدقاء

  1. الصداقة حاجة لا مفر من إشباعها.
  2. صداقة بلا أخلاق لا تدوم.
  3. أختار أصدقائي وفق معايير حكيمة.
  4. لا أجالس رفاق السوء وأقول لا للمتعة الكاذبة.
  5. من الوفاء إكرام أصدقاء الآباء والأقرباء.
  6. أعرف عقبات الصداقة وأتجنبها.
  7. صداقتي تؤثر على صحتي.
  8. لصداقتي حدود لا أتجاوزها.
  9. اصنع الصداقة باللباقة.
  10. الصداقة عبر الانترنت خير يتخلله الخطر.

 شرح الطرق

الطريقة الأولى

الصداقة حاجة لا مفر من إشباعها

إن الاجتماع مطلب مدني واحتياج فطري جاء الإسلام ليقدم الحوافز والمثيرات على التعارف بين الأفراد والمجتمعات وحث العباد على مصاحبة الإنسان الفاضل على المستوى الفردي والجماعي. يقول سبحانه “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (الحجرات: 13). والتعارف الذي تشير إليه الآية الكريمة له مضامين واسعة وغايات نبيلة غير مسبوقة. قال عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ “أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان”. وَقَالَ لابْنِهِ الْحَسَنِ: يَا بُنَيَّ الْغَرِيبُ مَنْ لَيْسَ لَهُ حَبِيبٌ. وكان الْحَسَن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يقول: “كم من أخ لم تلده أمك”.

الأنس بالناس نعمة إلهية مركبة في أنفسنا نسعى لها ونسعد بها. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: “الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ”. قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلامُ، لابْنِهِ: لا تَسْتَكْثِرْ أَنْ يَكُونَ لَك أَلْفُ صَدِيقٍ”. وقال جبران خليل جبران “إن صديقك هو كفاية حاجتك، و هو حقلك الذي تزرعه بالمحبة وتحصده بالشكر، هو مائدتك وموقدك، لأنك تأتي إليها جائعا، وتسعى وراءه مستدفئا” (البعلبكي، 2001م، ص 386، 394). “وفي صحبة الأخيار والصلحاء شرف عظيم وسعادة عظمى” (البروسوي، 1985م، ج2، ص 361).

أشار ماسلو إلى الحاجات الإنسانية الأساسية وذكر منها حاجات الانتماء Social Needs (affiliation) للجماعة والمجتمع وتحقيق التوافق مع الآخرين من خلال الحب والمودة والبر. وفي هذه المرحلة يمكن استنباط قاعدة اجتماعية تُعد من أهم الأصول التربوية وهي أن الإنسان اجتماعي بالطبع يميل إلى التجمع والتفاعل مع الآخرين.

كما أبرز إبرهام ماسلو حاجات التقدير Esteem Needs (Recognition) من كلمات ثناء وألقاب التكريم والتشريف. هذه الحاجات، كغيرها من الحاجات، يجب أن يتم إشباعها في محيط العائلة والمدرسة والأصدقاء والمؤسسات التي يتعامل معها الفرد وفي بعض الأحيان. إن علم النفس الإنساني     Humanistic Psychology مقدمة هامة تربوياً لفهم طبيعة الإنسان وفهم حاجاته. يؤكد ماسلو في نظريته على أن الإنسان كلما حقق حاجاته الأولية فإنه يتطلع لإشباع حاجة أعلى فيتنقل من مرحلة إلى أخرى على التوالي إلى أن يشبع حاجاته من خلال تحقيق ذاته والكثير من أهدافه.  تؤكد نظرية ماسلو على أن الحاجة إلى الأصحاب والحاجة إلى التقدير والاحترام في محيط الأسرة والمدرسة ومركز العمل من الحاجات الأساسية للإنسان وأن الانتماء إلى الأندية والجمعيات والنقابات ليس بالأمر الكمالي في حياة الإنسان فهذه الحاجات تغذي نفس الفرد من ناحية الانتماء إلى الآخرين. وجد ماسلو من خلال ملاحظته لبعض الشخصيات التاريخية البارزة أن قلة من الناس هم الذين يصلون إلى مرحلة تحقيق الذات The level of self-actualization. وهذه المرحلة بحاجة إلى عمل دائم لأنها عملية مستمرة تتصف بالنمو والديمومة وتستدعي الحفاظ على مستوى الصحة النفسية والإنجازات التي سبق أن حققها الفرد.

وهناك نظريات كثيرة تشبه نظرية ماسلو استخدمها علماء الإدارة. يؤكد بعض الباحثين (p.45 1994, ، Merrill Covey, Merrill &) وعلى رأسهم ستيفن كوفي على أن الإنسان بحاجة إلى إشباع الحاجات التالية وكلها تبدأ بحرف الـ (L):

.(To Live)الحاجة المعيشية الخاصة باستمرارية الحياة والبقاء

.(To Love)للحب

 .(To learn)للتعلم

.(To Leave a Legacy)للإنتاج والعطاء

وهي حاجات تربط الإنسان بأسرته وأقرانه. قال الغزالي “فلأخيك عليك حق في المال والنفس وفي اللسان والقلب بالعفو والدعاء والإخلاص والوفاء وبالتخفيف وترك التكلف والتكليف والتعاون. مثل الأخوين مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى؛ لأنهما يتعاونان على غرض واحد، فهكذا الأخوان إنما تتم أخوتهما إذا توافقا في مقصد واحد ، فهما من وجه كالشخص الواحد ، وهذا يقتضي المساهمة في السراء والضراء” (بتصرف) .

الأصدقاء يلبون حاجة نفسية لا عوض عنها، وخير الأصدقاء من لا يجاملك فلا يكتم الحق عنك فيضرك. قال الشافعي أن الصداقة ضرورة حياتية:

سَلامٌ عَلَى الدُّنْيَا إذا لَمْ يَكُنْ بِهَا

 

صَدِيقٌ صَدُوقٌ صَادِقُ الْوَعْدِ مُنْصِفَا

ومن النظرات العميقة للعلامة ابن خلدون في بيان اجتماعية الإنسان وأهمية الصداقة قوله ” أن الإنسان هو مدني الطبع.‏ والنسبة فيه إلى المدينة وهي عندهم كناية عن الاجتماع البشري‏.‏ ومعنى هذا القول أنه لا تمكن حياة المنفرد من البشر ولا يتم وجوده إلا مع أبناء جنسه‏.‏ وذلك لما هو عليه من العجز عن استكمال وجوده وحياته فهو محتاج إلى المعاونة في جميع حاجاته أبداً بطبعه‏.‏ وتلك المعاونة لا بد فيها من المفاوضة أولاً ثم المشاركة وما بعدها‏.‏ وربما تفضي المعاملة عند اتحاد الأعراض إلى المنازعة والمشاجرة فتنشأ المنافرة والمؤالفة والصداقة والعداوة‏‏” (باختصار يسير).‏

 

الطريقة الثانية

صداقة بلا أخلاق لا تدوم

القيم الحميدة هي التي تجعل الحياة إيجابية، والمعيشة متوازنة، والنفس راضية. إن أقوى عرى الصداقة الأخلاق الشريفة والمقاصد الجليلة، وكل صداقة بلا أخلاق ضياع مؤكد عاجلا أو آجلا. إن الأخلاق الذميمة والعقائد الفاسدة إذا تصفحها البصير في وقائع الأيام يجدها أشد فتكا بالبشر من أي مرض آخر. إن الصداقة الجيدة تبدل العادات إلى الأفضل وتكسب الفرد كلمات ألطف ومفردات تسري إلى لسانه وتستقر في روعه من دون أن يشعر.

يقول الكاتب عبدالله زنجير “والإنسان يختار أصدقاءه بنفسه، بحيث تكون طباعهم منسجمة مع طباعه، وأخلاقهم متناسبة مع أخلاقه، وهواياتهم تشبه هواياته. والصداقة الحقيقية هي التي تربط بين الناس بدافع المودة وليس بدافع المنفعة والمصلحة. وهي عطاء قبل أن تكون أخذاً، وتضحيةٌ قبل أن تكون منفعة. والصديق الجيد هو الذي ينصح صديقه إن وجده أخطأ، أو رأى فيه صفة غير محمودة، ولا يرضى لنفسه أن يجامل صديقه في الخطأ، أو يجاريه في الباطل .فرق كبيرٌ بين أن يكون الصديق صالحاً حسن الأخلاق يدلُّ على الخير ويشجع عليه، وبين أن يكون صديقاً فاسداً سيئ الأخلاق يدلُّ على الشر والفساد. لذلك قيل قديما: الصاحب ساحب” (ملك والكندري، 2007م، ص 42).

ومن القصص الرمزية اللطيفة التي يمكن أن نرويها لأطفالنا قبل نومهم: قصة الوعل (تَيْس يعيش في الجَبَلِ وله قَرْن ينطح به من يعاديه). مرض وعل ذات يوم في رأس جبل فأقبل أصحابه إلى داره لزيارته وطال جلسوهم عنده حتى حان موعد الطعام فتناولوا الطعام الذي كان أمامه، فقال أحدهم ناصحا: لا تكونوا أصدقاء سوء فإنهم يضرون أكثر مما ينفعون إني أخاف أن يموت صاحبنا من قلة الغذاء لا من شدة المرض.

ومن القصص المشابهة ذات المضامين الأخلاقية في موضوع الصداقة وآدابها القصة التالية: خرج صديقان في رحلة صيد فعثر أحدهما على فأس من الذهب فقال: لقد وجدت فأسا من الذهب.

فقال الآخر معترضا عليه: لا يا صاحبي لا تقل عثرت بل قل: لقد عثرنا (أنا وأنت) على الفأس. أنا صاحبك دائما.

وبعد فترة قصيرة أقبل فجأة فارس مغوار لا يُشق له غبار يسير بسرعة البرق، وبيده سيف مخيف، وبدأ يصرخ قائلا: أين فأسي المفقود؟

قال الذي وجد الفأس: لقد ضعنا وتورطنا (أنا وأنت).

قال صاحبه وهو يرتعد من الخوف: لا ، لا ، لا أنا أعترض لا تقل لقد ضعنا وتورطنا بل قل لقد ضعت (تكلم عن نفسك) لأنك أنت الذي وجدت الفأس.

قال الذي وجد الفأس: لا بأس لا أريد الفأس سأقول الصدق فالصدق منجاة.

عرف الفارس القصة فقال مبتسما: حذار أن تركن إلى صديق خذلك في ساعة ضيق فمن يشارك صاحبه في الرخاء، ينبغي أن يشاركه في الشدة.

فالصديق المزيف كما قال أحد العلماء “كالظل يمشي ورائي عندما أكون في الشمس ، ويختفي عندما أكون في الظلام”. وقديما قالوا الصديق عند الضيق. الرفيق الأمين هو الذي يكون مع صاحبه في السراء فيشترك معه وفي الضراء يخفف عنه. تؤكد القصص التربوية الأخلاقية منذ القدم هذا المعنى الإنساني فمن “يشارك في الغُنم، ينبغي أن يشارك في الغُرم” (إيسوب، 1997 م، ص 113). قال الشاعر أحمد محرم:

وإذا الْتَمَسْتِ الأصدقاءَ فخيرُهم

 

مَن شدَّ أَزْركِ والحوادثُ ترتمي

والأصدقاء بأخلاقهم ومشاعرهم هم القيمة الحقيقية للفرد. أنشد ابن الأعرابيّ:

لعمرك ما مال الفتى بذخيرةٍ

 

ولكنّ إخوان الثقات الذخائر

الطريقة الثالثة

أختار أصدقائي وفق معايير حكيمة.

الصديق الفاضل هو الذي يغلب على سلوكه الخير ويحرص على ملازمة الفضلاء وهو دائم البِشر، جميل المجالسة، شديد التواضع، كريم العطاء. ولا يكتمل صرح الصداقة إلا بالصراحة وحسن الظن وقبول التقصير البشري وقديما قالوا “إنَّ اللَّبِيبَ مَنْ عَذَرَ… وَالْمُنْصِفُ مَنْ اغْتَفَرَ قَلِيلَ خَطَأِ الْمَرْءِ فِي كَثِيرِ صَوَابِهِ”. يقول شاعر الكويت محمود الأيوبي:

اختر صديقك من حِمى النبلاء وخذ التقي المرتضى لك صاحبا

 

أهل الوفاء محط كل رجاء من ترتجيه لشدة ورخاء

تكلم ابن مسكويه عن الصداقة ومدح الصداقة بين الأخيار وحث على الإكثار منها لأنها تكون لأجل الخير وسببها هو الخير. كيف يتم اختيار الصديق من منظور ابن مسكويه؟ أولاً: يجب أن يكون الصاحب حسن العشرة والسلوك مع أهله ثم مع أصدقائه. ثانياً: يجب أن يحسن إلى كل من يحسن إليه. وثالثاً: أن لا يحرص على محبة متاع الدنيا من ذهب وفضة. رابعاً: أن لا يحب الرئاسة والغلبة والترؤس والمتسلط. وخامسا: عليه أن يبتعد عن اللهو المحرم.

يرى أحمد بن مسكويه أن لا يكثر الإنسان من الأصدقاء إذا لم يستطع الوفاء بحقوقهم وأنه يجب أن لا يتتبع صغار عيوب صديقه. ولقد توسع ابن مسكويه في شرح آداب الصداقة وذكر منها تعاهد زيارة الصديق وعدم الاستهانة باليسير من حقه إذا وقع له حادث وأن يتلقاه بالوجه الطلق والخلق الكريم وأن تظهر له في عينيه وحركاته ما يدل على الحفاوة به وأن يتعامل مع أصدقاء صديقه بنفس السماحة والسخاء. وعلى الصديق أن ينشر محاسن صديقه وأن يشترك معه في كل خير يحصل عليه وأن ينصحه برفق.

عندما نبحث في التراث التربوي الإسلامي نلحظ أيضا أن هناك معايير عديدة لانتقاء الأصدقاء منها أن “عَلاَمَة الصَّدِيقِ أَنْ يَكُوْنَ لِصَدِيقِ صَدِيقِهِ صَدِيقاً”، وأن “من لا يحب العلم لا خير فيه ولا يكون بينك وبينه صداقة ولا معرفة” (ملك وأبوطالب، 1989م، ص 237، 247). ومن آداب الصداقة: ” إذا كان لك صديق فشد يديك به فإن اتخاذ الصديق صعب ومفارقته سهل”. ” الانقباض عن الناس مكسبه للعدواة والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء فكن بين المنقبض والمنبسط” (الجوزي، 2003م، ص 234). إن حرص الصاحب على صاحبه يدفعه دائما نحو نفعه واقتفاء طريق الحق والوثوق بالأمل المشرق.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه ” (رواه ابن ماجه وقال الألباني عن درجة الحديث: حسن).

ولأهمية موضوع الصَّداقة فإنَّ الشَّافِعِيّ في شعره خاصَّة ونثره عامَّة فصَّل القول في خصال الصَّديق الصَّالح وقرَّر أنَّ الصَّديق الصَّادق هو الذي يغض الطَّرف عن العثرات، ويحفظ حق صاحبه في الحياة والممات، ويُرافقه ويوافقه في كل أمرٍ يُريده ما لم يكن الأمر من المحرَّمات، كما يقف معه في الأزمات. ومن صِفته حب العلم وغني النَّفس، وكف الأذى، وكسب الحلال، ولبس التَّقوى، والثِّقة بالله عزَّ وجلَّّ على كل حال، والسَّخاء، والتَّواضع،والأمر بالمعروف والنَّهى عن المنكر، والمحافظة على حدود الله تعالى، ولين الجانب، ورحابة الصَّدر، وبشاشة الوجه، وخفض الجناح. ولأنَّ الإنسان خطَّاء فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته فهو الصَّاحب المقبول الذي يمكن اختياره.

فيما يلي جملة اعتبارات لا يُستهان بها في اختيار الصديق:

  • الصاحب هو الذي يحترمك، ويعرف قدرك، ويثق فيك، ويبذل جهده ليقوم بحقك. الذي يحترم الناس هو الذي يحترم نفسه أولا ويقترن بمثله ثانيا. الصديق يريد الاحترام أولا (Hagelin, 2009, p. 69, 231). إن الذي عرف قدر غيره يعرف قيمة المعاني الإنسانية. جاء في الأثر عن بعض أهل العلم: “لا تصحب من لا يرى لك من الحق مثل ما ترى لـه”.
  • إذا أردت أن تعثر على صديق مخلص وتختار نخبة صالحة لمصاحبتها فعليك بتقويم أخلاقك أولا وكن نِعم الصديق (Templar, 2006, p. 144) ولهذا نقرأ في الأدب العربي والغربي قولهم ” إنّ الطّيُورَ على أشْكَالِهَا تَقَع”ُ.
  • الصديق الجيد هو الذي يكون جيداً لعائلته أولا فمن المحال أن المقصر بحق أهله يفي بحق أصحابه ويُحسن في تصرفاته. هكذا علمنا وأدبنا المنهج النبوي في تقييم البشر. ورد في الحديث “خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ. وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي”. هذا المعيار هو الحق البين.
  • وجود القواسم المشتركة من الاهتمامات والأنشطة والأهداف وتوفر الحد الأدنى من التوافق الفكري والانسجام النفسي.
  • لا شك أن الإنسان حر في اختيار أصحابه فالصداقة علاقة شخصية أساسها الاختيار الحر ولكن الحرية لا تعني أن أخالف والديَّ. الحرية باختصار تعني حسن التصرف. إن صديقي هو صديق العائلة في نهاية الأمر ولهذا فإن للعائلة رأيها المُعتبر إذا رأت الضرر.
  • الرفيق الصالح رفيق برفيقه لا يجفوه، ولا يستهزئ به، وله سمعة حسنة فالسمعة الحسنة علامة الفضلاء كما أن الصاحب الجيد يتميز بالاستماع النشط.
  • القيام بدوره كطالب مجد في تحصيله، متعاون مع زملائه، يقدر أقرانه.

الصداقة الحصيفة تنفر من قبول صديق متقلب مخادع متملق. قال بعضهم “لا تخش الأعداء الذين يهاجمونك ولكن اخش الأصدقاء الذين يتملقونك”. وإذا كنت تكره المتملقين حقا فلا تكن واحدا منهم وكما قال الشاعر:

ودع التملق للصديق إذا بدت منه وابذل له النصح الجميل ولا تكن واعطف عليه إذا دهته مصيبة وصن الصداقة عن سماع نميمة

 

Can Propecia be used together with Rogaine? A. buying here levitra 20 mg

الخطيئة أو أتى بجفاء فظا غليظ القلب في الإفضاء عطف الكرام بهمة شماء أو غيبة وتجسس وبذاء

الطريقة الرابعة

لا أجالس رفاق السوء وأقول لا للمتعة الكاذبة.

من أعظم مهارات الحياة امتلاك القدرة القوية ، والإرادة الشجاعة في الامتناع قدر الإمكان عن ارتكاب الخطأ. إن رفقاء السوء لهم أثر ظاهر على الإنسان ظاهرا وباطنا. عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلّم قَالَ: “إِنَّماَ مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَناَفِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ المِسْكِ إِمَا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتاَعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً. وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً». قال العلماء إن “تأثير المجالسة كائنٌ لا محالة، قصدت، أو لم تقصد، كحامل المسك، فإنَّ ريحَه تصيبُه لا محالة”.

الرفقاء شركاء لا محالة ، فصاحب الطبع السليم يهديك إلى الخير، وصاحب والطبع اللئيم يجرك إلى الشر. تشكل صحبة السوء مشكلة ضخمة تهدد كيان الفرد والعائلة والمجتمع. تتفرع تلك المشكلات عند الأطفال والشباب إلى مشكلات كثيرة ومن كل واحدة تتفرع أيضا مشكلات فرعية وسلوكيات سلبية في غاية الخطورة، منها:

  • مشكلات سلوكية-اجتماعية (معاكسات، سرقة، تدخين، عنف، سوء استخدام الدراجات النارية).
  • مشكلات جنسية (الزنا، واللواط والسحاق).
  • مشكلات أمنية (توزيع منشورات مشبوهة، إرهاب، تفجير، توزيع أسلحة وصناعة متفجرات).

ينحرف الشباب في مقتبل أعمارهم لعدة أسباب منها عدم نضج المشاعر والأفكار وقلة الخبرة في التعامل الاجتماعي وضعف القدرة على تكوين علاقات الصداقة والتأثر بأحلام اليقظة والعيش في طفولة محرومة ومضطربة والفشل في تحقيق أهدافه (العمر، 2009م، ص 73).

هذه المشكلات تجر الويلات وغدت كأنها بلا حلول شافية ولا علاجات كافية ولكن التربية القويمة هي البوابة الكبرى لتقليص معظم تلك الأمراض النفسية والعلل الاجتماعية.

في كل يوم يدرك العارفون أن إِدْمَان المُخَدِّرَات آفة فتاكة منكرة تدمر الأوطان والإنسان وأن من أوجب واجبات العقلاء مكافحة هذا البلاء. وفيما يلي سنستعرض مجموعة أرقام وإحصاءات وهي في مجملها تقريبية وتعكس حجم وعمق واتساع المشكلة كما تشير إلى كثير من أسبابها مما يلقي الضوء على سبل الوقاية. معظم تلك المشاكل يزداد شرها ويستفحل أمرها مع التعرف إلى أصحاب السوء.

وإذا استندنا إلى الدراسات والبحوث واستعنا بمنطق الأرقام والإحصاءات فسنجد أنه في العالم اليوم نحو 200 مليون مدمن، وأكثر من 70 % منهم من المدخنين للسجائر و82 % لهم تجربة سابقة مع تعاطي الخمور. وفي دولة الكويت ورغم الجهود الحثيثة لعلاج المشكلة فإن هناك ما يقارب من 20 ألف مدمن على المخدرات ويموت أكثر من أربعين شخص سنويا بسبب هذا السم الزعاف وكثير منهم فِي رَيْعَانِ الشَّبَابِ. أكثر من 90 % أخذوا الحبة الأولى من المخدرات مجانا كهدية من أصحاب السوء. ومعظم المدمنين تقع أعمارهم ما بين 17 إلى 40 سنة. وتشير نتائج البحوث الاستطلاعية التي أجريت على المتعاطين للمخدرات أن (77%) من الشباب تعاطوا المخدرات مجاراة لأصحابهم ووصولا للمتعة الخادعة.

ولمزيد بيان عن كارثة المخدرات نضرب هذا المثال اليومي على أمل الإمعان في دلالات مثل هذه الأمثلة إذ نشرت الصحف قصة عثور الشرطة على ثلاث جثث لمتعاطين للهروين وفي نفس الجريدة تم نشر خبر مدمن قتل شابا وفر هاربا. هذه الصواعق صدَّعت عائلات كثيرة وزلزلت من هولها القلوب والأدهى أن هذه الظاهرة المهلكة في ازدياد وتصاعد مخيف وفي كل مرة ينتهي الخبر بأن سبب الوفاة جرعة مخدرات زائدة وبذلك يُستدل الستار ويفتح قبر جديد لنودع حبيبا غاليا، أو صديقا عزيزا، ومازال الجرح نازفا، والخطر زاحفا، والمسلسل مستمرا!! وقديما قالوا وصدقوا: “لا تصحب الشرير، فإن طبعك يسرق من طبعه سراً وأنت لا تعلم”.

يؤكد الجاحظ على ضرورة حسن اختيار الصديق فهو يرى أن قرناء السوء خطرهم شديد وضررهم بعيد فهم مصدر البلاء والشقاء لهذا يقول من واقع خبرته الواسعة ، واستنتاجاته الفكرية العميقة “على أني لا أعلم في جميع الأرض شيئا أجلب لجميع الفساد من قرناء السوء”. وصدق القائل “الإِخْوَانُ ثَلاثُ طَبَقَاتٍ: طَبَقَةٌ كَالْغِذَاءِ لا يُسْتَغْنَى عَنْهُ، وَطَبَقَةٌ كَالدَّوَاءِ يُحْتَاجُ إلَيْهِ أَحْيَانًا، وَطَبَقَةٌ كَالدَّاءِ لا يُحْتَاجُ إلَيْهِ أَبَدًا” (الماوردي).

 

الطريقة الخامسة

من الوفاء إكرام أصدقاء الآباء والأقرباء .

إن إكرام أصدقاء الأب والأم من أنواع البر بالوالدين حتى بعد وفاتهما. إن مهارات الصداقة تبدأ وتتجلى وتتألق مع جسن صحبة الأبوين طوال مسيرة الحياة بل وتستمر معهما بالبر بهما بالدعاء وتعهد أصحابهم كما علمنا الإسلام. إن مفهوم الصداقة رحب يستغرق عرض وطول وعمق حياتنا من بدايتها إلى خاتمتها. قال تعالى “وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً” (الإسراء23). ولا يمنع كفرهما من الإحسان إليهما بل وحسن مصاحبتها ولو سعوا في الإضرار بنا لا قدر الله، لقوله تعالى “وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً” (لقمان: 15).

الأب والأم، شمس وقمر، وببرهما الرحمن أمر، وهما أحق الناس بالصحبة كما جاء في الأثر. جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللّهِ فَقَالَ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ : «أُمكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ» (رواه مسلم).

وفي صحيح مسلم “باب فضل صلة أصدقاء الأب والأم، ونحوهما”: عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ. فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ. وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ. وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ. فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: فَقُلْنَا لَهُ: أَصْلَحَكَ اللّهُ إِنَّهُمُ الأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ: إِنَّ أَبَا هذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ: «إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ». 

لقد أكرم المصطفى صلى الله عليه وسلم صديقات زوجته خَديجةَ بالبِرِّ بَعْدَ وَفَاتِها فكان يُرسل إليهن الهدايا. وفي حسن المعاشرة الزوجية والوفاء بالأصحاب نقرأ في السيرة النبوية عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: “جاءت عجوز إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال [لها]: كيف أنتم كيف حالكم كيف كنتم بعدنا، قالت [العجوز] بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله. فلما خرجت، قلت: يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال فقال: يا عائشة إنها كانت تأتينا زمان خديجة وإن حسن العهد من الإيمان” وعلى مثل هذه الشمائل الكريمة يصبح المجتمع كالبنيان الواحد في تماسكه. وعن بره صلى الله عليه وسلم بزوجته نقرأ وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها هدية إلى أصدقاء خديجة رعاية منه لذمامها وحفظاً لعهدها (المباركفوري، تحفة الأحوذي، باختصار وتصرف).

إن البر بأصدقاء الأب والأم والأقارب والزوجة وسائر من يندب إكرامه من العبادات التي تعمِّر الحياة وتوثِّق أواصر المودة بين البشر. إن هذا الوفاء ذروة العطاء وقمة التكافل الفكري والاجتماعي والروحي الذي يرفع من قيمة العلاقات الإنسانية النبيلة ويُعلي من شأن المودة بين الصاحب وصاحبه ويُعطي عالم الصداقة مرئيات جديدة. في إسلامنا السمح ينابيع عبادة وعمارة، وشعائر ومشاعر، وصلة وصدقات، وصدق وصداقة نحتاج  مع أبنائنا وبناتنا إلى أن نعرف جداولها الرقراقة، ونغرف من ينابيعها الصافية.

 

الطريقة السادسة

أعرف عقبات الصداقة وأتجنبها.

هذه وصية نادرة في اتخاذ الصديق كُتِبت قبل أكثر من ألف ومائتين سنة. كان الشافعي يعلم طلابه وأصحابه العلم والتحصيل الدراسي مقرونا بتعليم مهارات الحياة الأخلاقية. قال الشافعي ذات يوم لأحدهم: “إذا بلغك عن صديق لك ما تكرهه فإياك أن تبادر بالعداوة وقطع الولاية، فتكون ممن أزال يقينه بشك، ولكن ألقه وقل له: بلغني عنك كذا وكذا، وأجدر أن تسمى المبلغ، فإن أنكر ذلك فقل له: أنت أصدق وأبر، ولا تزيدن على ذلك شيئاً. وإن اعترف بذلك فرأيت له في ذلك وجهاً بعذر فاقبل منه، وإن لم يرد ذلك فقل له: ماذا أردت بما بلغني عنك? فإن ذكر ماله وجه من العذر فاقبله، وإن لم يذكر لذلك وجها لعذر وضاق عليك المسلك فحينئذ أثبتها عليه سيئة أتاها. ثم أنت في ذلك بالخيار، إن شئت كافئه [حاسبه] بمثله من غير زيادة، وإن شئت عفوت عنه، والعفو أبلغ للتقوى وأبلغ في الكرم، لقول الله تعالى: “وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” (الشورى 40). فإن نازعتك نفسك بالمكافأة فاذكر فيما سبق له لديك، ولا تبخس باقي إحسانه السالف لهذه السيئة، فإن ذلك الظلم بعينه. رحم الله من كافأني [حاسبني] على إساءتي من غير أن يزيد ولا يبخس حقاً لي. إذا كان لك صديق فشد يديك به، فإن اتخاذ الصديق صعب ومفارقته سهل وكان بعض الحكماء يُشبِّه سهولة مفارقة الصديق بصبي يطرح في البئر حجراً عظيماً فيسهل طرحه عليه، ويصعب إخراجه على رجال البرك فهذه وصيتي لك. والسلام” (أبونعيم الأصفهاني، 2003م، ص 1601، بتصرف) وقال يونس بن عبد الأعلى الصدفي: سمعت من الشافعي كلمة لا تُسمع إلا مِن مثله، وهي “رضا الناس غاية لا تدرك، فانظر ما فيه صلاح نفسك في أمر دينك ودنياك فالزمه”.

ومن أشد المحاذير الاجتماعية أن يكون الإنسان دائما مع أصحابه لا يجلس مع نفسه ولا يتفكر بأحواله وهذا ضرره كبير فالتوسط في الأمور من فقه الدين ومقاصده، ودليل كمال العقل ورجاحته. يحتاج الفرد لساعات الخلوة مع نفسه وتنمية الذات والإطلاع على الكتب فالمحروم من حرم ساعات يخلو بها مع نفسه يتعاهد عقله، وروحه، ووجدانه بالتنقية والتصفية والتثقيف.

الناس “صنفان: إما أخ لك في الدين ، وإما نظير لك في (الخَلقِ)” هكذا كتب علي عليه السلام وصية من وصاياه التعليمية الفذة (ابن حمدون، ج2، ص 270، بتصرف). الناس صنفان؛ أخ لك في الإسلام أو أخ مثلك في الإنسانية على ضوء هذه القاعدة عليك أيها الصديق العاقل أن لا تجعل المذهبية والحزبية والقبلية تحجب روحك من رحيق الصداقة. الصداقة أسمى وأعلى وأغلى للفرد والجماعة من تلك التكتلات الضيقة الهابطة التي تحمل في طياتها بذور الغرور، والتفرق والتشرذم. وأعلم وأفهم أن النظرة العرقية الضيقة تمزق العلاقات في المجتمع وتُغرِق -لا قدر الله- سفينة الوطن إذ زاد الخَرْقُ واتسع.

فيما يلي نستعرض بشكل موجز المزيد من الأخلاقيات الحافظة لمودة الأصدقاء وهي سلوكيات تعطي حركتنا مصداقية وواقعية:

 

  • احذر الجدل العقيم فهو داء قديم. الجدل والمراء من أعداء الصداقة. قال ديل كارنيجي (1888 – 1955 م) ” لا تجادل ، واعلم أن أفضل السبل لكسب جدال هو تجنبه”.

 

  • تذكر وطبق قول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لا تَقَاطَعُوا وَلا تَدَابَرُوا وَلا تَحَاسَدُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ”.

 

  • تقبل تقصير الصديق إذا بذل الأسباب. إن تقبل الأعذار من شيم الأخيار. وقال الشاعر:

 

إِذا اعتذرَ الصديقُ إِليكَ يوماً فصُنْهُ عن جفائكَ واعفُ عنه

 

من التقصيرِ عذرَ أخٍ مقرِّ فإِن الصفحَ شيمةُ كل حرِّ

عدم الاستماع للمغرضين فإن الشخص الذي ينقل لك الكلام يفعل الأمر نفسه من خلفك حيث يسعى بالنميمة ويقتات عليها. “مَن نَمَّ لك نم عليك ومن أخبرك بخبر غيرك أخبر غيرك بخبرك”. وكما قال الشاعر:

إِذا الواشي نعى يوماً صديقاً

 

فلا تدعِ الصديقَ لقولِ واشي

  • المواقف النبيلة مؤشر العلاقات الأصيلة والصداقة الصحيحة.
  • لا تتصيد أخطاء صاحبك. “قال بعض السلف: من استقصى عيوب الناس بقي بلا أصدقاء” (أبو حيان التوحيدي، ج3، ص 360).
  • البعد عن الكلام الفاحش والتعريض بالناس.
  • الامتناع التام عن خذلان الصديق فالوفاء أن تقف بجانب رفيقك عندما يحتاج إليك. الخذلان بين الأخلاء من أقبح العواقب التي تكتنف طريق الصداقة المخلصة.
  • انتقاء العبارات والتلفظ بأجمل الكلمات. ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أن من أحلى مُتع الحياة: “مُجَالَسَةُ أَقْوَامٍ يَنْتَقونَ جَيِّدَ الْكَلامِ كَمَا يُنْتَقَى أَطَايِبُ الثَّمَرِ”. إن تنزيه المجلس من القول البذيء صيانة للأسماع، وحماية للذمم.
  • الصديق المحب للعلم لا يشقى معه جليسه ولا يشبع منه أنيسه. الصديق الذي يعتني بدرسه وفروضه المدرسية يذكر صاحبه بها، ويعينه إذا احتاج العون، ويرفع همته إذا أصابه الفتور.

 

الطريقة السابعة

صداقتي تؤثر على صحتي

هناك دراسات علمية متنامية ظهرت مؤخرا في الأوساط الطبية، تربط بين شبكة العلاقات الاجتماعية القوية وبين الصداقة الجيدة وتقرنها بطول العمر والصحة الجيدة. هذه الدراسات الرصينة قامت بها جامعات مرموقة وهي معطيات بحثية ميدانية ذات قيمة علمية عالية. لقد استغرقت عملية إعداد بعض تلك الدراسات الطبية سنوات طويلة كي تتبع منهجيا أثر الصداقة في الصحة عند المرضى والأصحاء في عدة دول حول العالم. إن معظم الدراسات الراهنة تشير إلى أن دور الصداقة من الأهمية بمكان في حياة الإنسان، وأن حصيلة نتائج الدراسات الطبية تشير بوضوح إلى أن شبكة العلاقة الاجتماعية المتينة تجعل الحياة أفضل وتقوم بتحسين نوعية المعيشة. يشير الباحثون في هذا الحقل إلى أن معظم الناس يبحثون عن الأدوية الطبية والأعشاب الشعبية ولكن يغفلون عن سلاح الصداقة فهو سلاح له فاعلية كبيرة في مقاومة الأمراض، ومعالجة الاكتئاب وله دور ملحوظ في سرعة التماثل للشفاء، وله شأن في أن يقلل من سرعة الشيخوخة فهو فعلا سلاح يغفل عنه معظم الناس (Parker-Pope, 2009).

تلعب الصداقة الحميمة دورا ملموسا في تقليل خطر الانتكاس الصحي والوفاة ودورا لافتا في علاج أمراض خطرة من مثل الإصابة بالأزمة القلبية أو سرطان الثدي حيث أن الذين يحاطون بعطف ودعم أصدقائهم وأقربائهم يكونون أكثر قدرة على التماثل للشفاء (ياجر، 2008م، ص 208).

إن قدرة المريض على الشفاء أعظم إذا كانت صحته النفسية مرتفعة فالجسد يستجيب بشكل أسرع إذا أحطنا المريض بحب ومودة ودعوات الأقرباء وجماعة الرفاق. مع الصديق العزيز نقوم بالتفريغ الانفعالي ونبث له بعض خصوصياتنا ويقوم كل واحد منا بالتنفيس عن هموم النفس وقت الضيق وإلا فإن كتمان الضيق والكبت والهموم من أسباب الوهن العاطفي، والإرهاق الفكري، وضعف الصحة النفسية .

والصداقة في حقيقتها علاقة مودة وألفة تعطي الراحة للروح، والهناء للضمير. وَقِيلَ: “إنَّمَا سُمِّيَ الصَّدِيقُ صَدِيقًا لِصِدْقِهِ، وَالْعَدُوُّ عَدُوًّا لِعَدْوِهِ عَلَيْك”. “وَإنَّمَا سُمِّيَ الْخَلِيلُ خَلِيلا؛ لأَنَّ مَحَبَّتَهُ تَتَخَلَّلُ الْقَلْبَ فَلا تَدَعُ فِيهِ خَلَلا إلا مَلأَتْهُ” . أدرك السابقون قوة الصداقة في صحة الإنسان وراحوا يتخذون منه ذخيرة لهم. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لِقَاءُ الإِخْوَانِ جَلاءُ الأَحْزَانِ.

إن مصاحبة أهل الصلاح عافية للنفوس والأبدان لأنهم يلهمون الهمم فترتفع، والنفوس فتنشرح، والأجساد فتنشط للمطالب السَّنِيَّة والمقامات الرفيعة. وعلاوة على ذلك فإن صداقة الأساتذة والعلماء نعمة “وَمُجَالَسَتُهُمْ تَشْفِي الأَسْقَامَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَقَدْ كَانَ الْمُرِيدُونَ إِنْ حَصَلَ لَهُمْ عَجْزٌ أَوْ كَسَلٌ خَرَجُوا إلَى مَجْلِسِ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاءِ الشُّيُوخِ فَتَنْتَعِشُ قُوَاهُمْ بِسَمَاعِ كَلامِهِ وَرُؤْيَتِهِمْ لَهُ، وَيَمُدُّهُمْ بِهِمَّتِهِ فَيَتَغَذَّوْنَ بِذَلِكَ، وَيَرْجِعُونَ إلَى خَلَوَاتِهِمْ أَنْشَطَ مَا كَانُوا أَوَّلا فَهُمْ دَوَاءٌ لِلْخَلْقِ أَجْمَعِينَ”. إن مُجَالَسَة الصَّالِحِينَ دَوَاءُ الْقُلُوبِ. (ابن الحاج، 1995م، ج3، ص 132، 136، باختصار).

لا ريب أن مخالطة الناس بالحسنى ومصاحبة العقول المثقفة النَّيرة وسيلة فاعلة لنشر ثقافة صحية سليمة، ونبذ العادات السقيمة، ولها دورها في التواصي على العناية بالغذاء الصحي والرياضة المعتدلة.

 

الطريقة الثامنة

لصداقتي حدود لا أتجاوزها

تقدير عواقب الأمور يجعل العاقل يصون تصرفاته ويتوقف عن أي تصرف يجلب الضرر. ليس للإنسان السَّوي الراجح العقل أن يضر نفسه ولا صاحبه وكما تقول القاعدة الفقهية “لا ضرر ولا ضرار”. ولقد قرر الفقهاء قاعدة أخرى تصلح كذلك لأن تكون من مبادئ التربية الحسنة ألا وهي قاعدة “الضرر لا يُزال بمثله”؛ إذا سُرق كتاب طالب فليس من المنطق أن يستعيد حقه بسرقة كتاب مثله. إن المنطق يتطلب وضع الحدود والحزم في تنفيذها. من الخطأ أن نحل المشكلة بمثلها والأسوأ أن نحلها بمشكلة أكبر منها. هذه قواعد نحتاج إلى إرشاد الناشئة إليها.

الأصدقاء شركاء لا أوصياء. لهذا يحتاج الطفل إلى معرفة حدوده وحدود غيره في منظومة الرفاق فلا يسمح لأحد أن يمارس دور الوصاية عليه وهو كذلك لا يسمح لنفسه بأن يعامل أحدا بهذا المنطق الذي يدل على الفوقية والتسلط. المودة الحميمة لا تعني التنازل عن قيادة الذات وإدارة الشئون الشخصية. لا تتنازل عن استقلاليتك واستفد ممن حولك وتشاور معهم. هذه هي رسالتنا لأطفالنا وشبابنا.

ومن الأصول التربوية تدريب الناشئة على وقاية أنفسهم من الأمور المتوقع منها الخطر وإبعادهم ما أمكن عن المشاجرة والمخاطرة. ومثال ذلك أن نعلم الطفل أنه : عندما أتعرض للمضايقة أو العدوان من الآخرين، أستخدم كلمات تعبر عن مشاعري مثل: “لو سمحت لا تحدثني بهذه اللهجة الغاضبة”. “عفوا، هذا القول يضايقني جدا”، “توقف رجاء ولا تمد يدك علي”، “لا أقبل هذا منك”، “لا أحب هذا النوع من المزاح”. ويجب الابتعاد عن مواطن الريبة وأن لا يجاري الغضبان في غضبه فالمشكلة لن تزول بمثلها. إن الذي يتدرب على هذه القيم في الأسرة يكون يسيرا عليه أن يمارسها في أي مكان آخر.

اللهو الذي يخرج عن إطار المعقول له عواقب مذمومة ولهذا فالمزاح بحمل السلاح أو آلة حادة أو أي شيء خطر من الخطوط الحمراء وليس بمزاح، ولا يقبله العاقل أبدا لا من صديق ولا من غيره. قالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ أَشَارَ إِلَىَ أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّىَ يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ. (رواه مسلم في صحيحه ، كتاب البر والصلة والآداب). وكذلك الأمر لا مزاح ولا مرح بقيادة السيارة بسرعة جنونية تهدد أرواح العباد! وكذلك من الحدود عدم تناول أي مجلة مخلة بالآداب .

إنها وظيفة الأسرة والمدرسة معا أن يشرحوا للناشئة أن الصداقة مقيدة بالأدب ويشجعونهم على ممارسة ذلك. إن الأصحاب في غاية الأهمية ولكنهم ليسوا مركز حياتنا (كوفي، 2009م، ص 19). “اخبر ابنك أنك ترحب بأصدقائه في المنزل” (كوبر، 2009م، ص 16) وشجعهم على ممارسة قيم الصداقة الواعية.

  “لا تقلق من كثرة أصدقاء طفلك أو قلتهم فهناك عدد مثالي من الأصدقاء. بعض الأطفال يفضلون الاقتصار على صديق واحد، والبعض الآخر يفضل مجموعة من الأصدقاء ، وهناء من يفضل البقاء بدون أصدقاء، تقبل اختيار طفلك واحترمه.” (الرباعي، 2008م، ج2، ص 71) ثم شجعه مع مرور الوقت على تقبل فكرة مصاحبة الأصدقاء وسبل كسبهم والتكيف معهم علما بأن الاستغناء عن الأصدقاء خسارة اجتماعية وروحية وعقلية.

 

 

الطريقة التاسعة

أصنع الصداقة باللباقة.

1-   انوِ الخير فإن للنية الصافية نورا. النية الحسنة هي أن تكون على سجِيَّتِكَ الإنسانية ولا تصاحب صديقك لمصلحة ومنفعة ولا تتكلف له أو يتصنع لك. إخلاص المودة مِن الرفيق ثروة نفيسة لا تقدر بالمال،  وكلما مر الزمن كانت أثمن. كن مع صاحبك لأنه أهل لذلك ويستحق الاهتمام ولأنه يستحق تبادل المشاعر النبيلة بعيدا عن شوائب المادية الطاغية، والنفعية الضيقة. قال بعض الأعراب لولده: “يا بني لا تصحب من إذا أيس من خيرك مال إلى غيرك”.

2-   الابتسامة. يقول الصينيون في حكمة يرددونها: “إن الرجل الذي لا يعرف كيف يبتسم لا ينبغي له أن يفتح متجراً “.

3-   التواضع. لا تنسب لنفسك المكاسب وتنسى من معك. انظر للجميع على أنهم مثلك لست فوقهم ولا أقل منهم. التواضع من أسس ترسيخ المشاعر الإنسانية المرهفة. قيل للأحنف بن قيس: ما الإنسانية؟ قال: التواضع عند الرفعة، والعفو عند القدرة. والعطاء بغير منة.

4-   الكلمة المهذبة تأسر القلوب. اجعل الصداقة تزدهر عبر نهر الكلمة الموزونة، والفكاهة المعتدلة، والكلمة الطيبة.

5-   الثناء الصادق نبع متدفق. لا تتوقف عن تقدير جهود صاحبك فأنت مرآة صافية تكشف له جوانب قوته. أسبغ التقدير الصادق على صاحبك ، واخبره بمعزته لديك.

6-   وطِّن نفسك ودرب روحك على أن تكون سعيدا. قال ابراهام لنكولن “يصيب الناس من السعادة بقدر ما يوطدون عزمهم على أن يصبحوا سعداء”.

7-   الاعتدال محمود في جميع الأحوال. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :  “أَحْبِبْ حَبِيبَك هَوْنًا مَا ، عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَك يَوْمًا مَا ، وَأَبْغِضْ بَغِيضَك هَوْنًا مَا ، عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَك يَوْمًا مَا” . وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لا يَكُنْ حُبُّك كَلَفًا ، وَلا بُغْضُك تَلَفًا .

8-   من العادات العربية الأصيلة قولهم ” إذا صادقت رجلاً وجب أن تكون صديق صديقه، وليس يجب عليك أن تكون عدو عدوه” (ابن أبي أصيبعة، 1998م، ج1، 68).

9-   احرص على تعميق الصداقة عبر الهدية البسيطة فلها مفعول عجيب في إرضاء النفوس وإيجاد المحبة الصادقة.

10-  إذا أردت أن تكون محبوبا بين أصدقائك، فعليك أن تعاملهم كما تحب أن يعاملوك.

11- مارس ما سبق وطبق تلك العادات حتى تصبح ملكة شخصية ” فإن كثرة المُزاولات تعطي الملكات فتبقى للنفس هيئة راسخة وملكة ثابتة” كما يقول ابن القيم الجوزية في كتابه مفتاح دار السعادة.

 

الطريقة العاشرة

الصداقة عبر الانترنت خير يتخلله الخطر.

حققت التكنولوجيا الحديثة انجازات تقنية باهرة ساهمت في تعزيز أواصر العلاقات الاجتماعية فالمسافر يستطيع أن يبعث مجانا صوره الشخصية ورسائله في لمح البصر إلى محبيه ومن دون عناء. قامت كثير من المدارس باستثمار الانترنت بطريقة جيدة عبر طرائق تعليمية متنوعة من مثل طريقة “أصحاب القلم” (penpals)؛ يقوم الطالب بمساعدة طالب آخر – أصغر منه- بتعليمه مهارات الكتابة وغيرها بشكل منتظم.

يجد الأصدقاء متعة لا توصف في التواصل مع أصدقائهم عبر الانترنت وقنواته المتجددة وخدماته العالية الأداء. من أسعد الأوقات أن يجتمع الرفاق في مواقعهم المفضلة “الاجتماعية” و”الرياضية” و”غرف الدردشة” لتبادل الآراء وتداول الأخبار والخبرات والترويح عن النفس وكسب الصداقات وتوثيقها. إن التجوال بين مواقع الانترنت ومشاركة الأصحاب ثمرات ذلك التجوال ظاهرة صحية توسع دائرة الثقافة وتمنع الناشئة من التسكع في الشوارع بلا هدف وتحمي أوقاتهم من الضياع. ومن أروع خدمات الانترنت للأصدقاء سرعة تبادل معلوماتهم الدراسية، وأنشطتهم البحثية، وتقاريرهم الدورية.

من سلبيات العالم الالكتروني أن الشاب ينسحب من عالمه الحقيقي ويخصص الساعات تلو الساعات أسبوعيا وأحيانا يوميا مبحرا في شبكة الانترنت مما يؤدي إلى الإدمان والإخفاق في تكوين صداقات في الحياة اليومية الواقعية.

من السهولة الإبحار في الانترنت عبر الهاتف النقال سواء في المنزل أو خارجه وفي أي لحظة . وتشير الإحصاءات إلى أن هناك أكثر من مليون طفل يتم استغلالهم إباحيا من خلال الانترنت وهناك أكثر من 100 ألف موقع إباحي يدخله الأطفال وتتكاثر المواقع بصورة خيالية فهناك أكثر من ثلاثة آلاف موقع إباحي جديد يوميا…مما يدمر مناعتهم الأخلاقية. ومن الأخبار المخيفة أن 90%  من الأطفال الذين يستخدمون الانترنت معرضون لمشاهدة لقطات مخلة بالآداب وإباحية (Hagelin, 2009, p.233).

من واجب الأسرة تجاه الناشة تجلية خطورة الإنترنت وتعلمهم أن: الصديق الالكتروني (المراسلة عبر الانترنت) قد يسرق أسرار أسرتك ويكون سبب خسارتك. لا تعط غريبا عنوانك وأرقام هاتفك وأسماء أهلك فغرفة الدردشة وغيرها في الانترنت لها ضحايا بعد أن تسللت إلى البيوت. إن تطبيق مفاهيم الأمن والسلامة غنيمة وإهمالها هزيمة وندامة.

ولا يكتمل الحديث عن صداقة الانترنت دون التعرض إلى كثير من القصص الواقعية جرت أحداثها على شاشات الانترنت بين الذكور والإناث وانتهت بنهايات مأساوية (نصب- خيانة- استغلال) ومعظمها تبدأ بالتعارف ثم الصداقة إلى أن تتطور إلى حب وتنهي بالنصب والسرقة والغش.

 

الخَاتِمَةُ 

الصداقة الحميدة شجرة تحتاج إلى الرعاية الدائمة وهي وشائج مشاعر مشتركة ومودة متبادلة. الأنس بالصديق فطرة بشرية لا تتغير وسنة اجتماعية لا تتبدل ولهذا وجب على الفرد أن يعتني باختيار أصدقائه كي ينعم بهذه النعمة في تأليف القلوب وتلاقح العقول وتمازج الأرواح، ورفعة شأن الإنسان. الحذر كل الحذر من سماع كلام الواشي فمن أطاع الواشي ضيَّع الصديق الوفي. كما عليه أن يتجنب الصاحب الذي يمارس الوصاية عليه ويظن أنه خير منه والأخطر من ذلك قرين السوء الذي يلهث خلف متعة كاذبة ونزوة تعقبها ندامة وحسرة. الصداقة الإلكترونية تتمدد يوميا في بيوتنا وفيها خير كبير إذا سخرناها في طاعة الله وفي نيل المطالب العالية، والمآرب الغالية. الصداقة الصادقة المتدفقة ذخيرة دنيوية لا تقدر بثمن، وصحة وعافية للبدن. الرفيق الفاضل صاحب الأخلاق الرفيعة يعامل رفيقه باللباقة وهو الرابح في دنيا الصداقة.

 

أهم المراجع العربية

ابن الجوزي (2003م). صفة الصفوة. موقع الوراق: http://www.alwaraq.net

ابن تيمية، تقي الدين أحمد بن عبد الحليم (بدون تاريخ). مجموع فتاوى ابن تيمية. المملكة العربية السعودية .وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد. موقع الإسلام: http://www.al-islam.com

ابن حمدون (بدون تاريخ). التذكرة الحمدونية. بيروت: دار صادر. المرجع الأكبر للتراث الإسلامي. شركة العريس للكمبيوتر. قرص مدمج.

أبو نعيم الأصفهاني (2003م). حلية الأولياء. موقع الوراق: http://www.alwaraq.net

أبوحيان التوحيدي (1428هـ – 2007م). الصداقة والصديق. دراسة وتحقيق: الشربيني شريدة. القاهرة: دار الحديث.

أبوحيان التوحيدي (بدون تاريخ). الامتاع والمؤانسة. المرجع الأكبر للتراث الإسلامي: شركة العريس.

إيسوب (1977م). القصص الحكيم للفيلسوف إيسوب. ترجمة: السقا, مصطفى، والسحار, سعيد جودة مصر: مكتبة مصر.

الأيوبي ، محمود شوقي عبدالله (2005 م). الموازين في الأخلاق ونظام الحياة . ط2 ، الكويت : دار قرطاس.

البروسوي، اسماعيل حقي (1985م). روح المعاني. بيروت: دار إحياء التراث العربي. المرجع الأكبر للتراث الإسلامي (شركة العريس).

بكار, عبدالكريم (1428هـ). إلى أبنائي وبناتي: 50 شمعة لإضاءة دروبكم. الرياض: مؤسسة الإسلام اليوم.

الرباعي, زكي مهدي محمد (1429هـ – 2008م). دليل الآباء لتنمية مهارات الأبناء. ط1, بيروت: دار ابن حزم.

رضا، محمد رشيد بن علي (بدون تاريخ). مجلة المنار. المكتبة الشاملة: http://www.shamela.ws

صبحي، سيد (1998م). اختيار الأصدقاء. في موسوعة سفير لتربية الأبناء. ج2، القاهرة: سفير.

عبود، منير البعلبكي، (2001 ). موسوعة الأمثال والحكم والأقوال العالمية. ط 1، بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر.

علي بن خليفة بن يونس (1998). عيون الأنباء في طبقات الأطباء. المرجع الأكبر في التراث. شركة العريس للكمبيوتر. قرص مدمج.

العمر، معن خليل (2009م). علم اجتماع الانحراف. ط1، الأردن: دار الشروق.

الغزالي, محمد (2002 م). خلق المسلم. القاهرة: نهضة مصر للطباعة والتوزيع والنشر.

الكندري، لطيفة حسين (1427 هـ = 2007 م)  نحو بناء هوية وطنية للناشئة. ط1، الكويت المركز الإقليمي الطفولة والأمومة.

الكندري، لطيفة حسين ، وملك، بدر محمد ( 1427هـ = 2007م). مهارات الحياة للصف الخامس. الكويت: اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.

الكندري، لطيفة حسين وملك، بدر محمد ( 1429هـ = 2008م). تعليقة أصول التربية. ط3، الكويت: مكتبة الفلاح.

كوبر, لين هاجنز (2009م). تنشئة المراهقين: 52 فكرة رائعة من أجل تربية عالية الأداء. ط1, الرياض: مكتبة جرير.

كوفي، شين (2009م). العادات السبع للمراهقين الأكثر فعالية. ط7، الرياض: مكتبة جرير.

الماوردي (بدون تاريخ). أدب الدنيا والدين. المملكة العربية السعودية .وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد. موقع الإسلام: http://www.al-islam.com

المباركفوري، محمد بن عبدالرحمن . تحفة الأحوذي، شرح جامع الترمذي. برنامج المحدث: إصدار 20: 11.

ملك، بدر محمد، وأبوطالب، خليل (1409هـ – 1989م).  السَّبق التربوي في فكر الشَّافِعِيّ. ط1. الكويت: مكتبة المنار.

ملك، بدر، والكندري، لطيفة (1427 هـ =  2006 م). تراثنا التربوي: ننطلق منه ولا ننغلق فيه. ط2، الكويت: مكتبة الفلاح.

نور الدين الحلبي (2003م). السيرة الحلبية. موقع الوراق: http://www.alwaraq.net

ياجر, جان (2008م). عندما تصبح الصداقة مؤلمة. ط3, الرياض: مكتبة جرير.

 

 

 

المراجع الأجنبية

Covey، Stephen R.، A. Roger Merrill and Rebecca R (1994). First Things First : To Live, to Love, to Learn, to Leave a Legacy. USA: FranklinCovey.

Hagelin, R (2009) 30 Ways in 30 Days to Save Your Family. Washington, DC: Regnery Publishing.

Mather, A, D & Weldon, L, B (2006). Character Building day by day. USA: Free Spirit Publishing.

Oxford dictionary of sociology  (2005).Edited by John Scott & Gordon Marshall. Oxford: University Press.

Parker-Pope. T (2009). Well: What Are Friends For? A Longer Life.  The New York Times: http://www.nytimes.com/2009/04/21/health/21well.html

Templar, R (2006). The rules of life. London: Pearson Prentice Hall.